وهو محمول على الجزاء المنقطع العاجل دون الثواب المتّصل الآجل.
ومنها أنه لا خلاف بين أصحاب القولين المذكورين في أن العبادة المتصفة بالصحة والإجزاء مسقطة للعقاب الموعود به تارك العبادة. ولا ريب أن إسقاطها العقاب مستلزم للقبول ؛ إذ لو لم يقبل لكان صاحبها باقيا تحت العهدة ، وكان مستحقا للعقاب بلا ارتياب ؛ إذ المفروض أن سقوط العقاب إنما استند إليها لا إلى التفضّل منه تعالى.
فإن قيل : إن القبول إنما هو عبارة عن الجزاء عليها بالثواب.
قلنا : متى ثبت استلزام سقوط العقاب للقبول ـ بمعنى أن الشارع إنما أسقط عن المكلف العقاب والمؤاخذة ؛ لقبوله لها ـ ترتب عليها الثواب البتة.
هذا ، وأما ما ذكره قدسسره من الوجوه الخمسة ، فقد عرفت الجواب عن أكثرها بما ذكرناه في الوجه الثالث.
بقي الكلام في الدليل الثالث من أدلته ، وهو قوله (فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ).
والجواب عنه هو ما ذكره ـ طاب ثراه ـ وهو جواب عار عن وصمة النقض والإيراد مؤيدا بأخبار السادة (١) الأمجاد ـ عليهم صلوات رب العباد ـ فإنها قد تضمنت أن هابيل كان صاحب ماشية فعمد إلى أسمن كبش (٢) في ضأنه فقربه ، وقابيل كان صاحب زرع فقرب من شرّ زرعه ضغثا من سنبل (٣).
قال المحدث الكاشاني ـ عطر الله مرقده ـ في تفسيره (الصافي) بعد ذكر قوله سبحانه (فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما) ما لفظه : (لأنه رضي بحكم الله ، وأخلص النية له ،
__________________
(١) في «ح» بعدها : الأبرار.
(٢) في «ح» بعدها : كان.
(٣) تفسير العياشي ١ : ٣٣٨ / ٧٨ ، مجمع البيان ٣ : ٢٢٩.