وعمد إلى أحسن ما عنده ، وهو هابيل).
وقال بعد قوله (وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ) ما لفظه : (لأنه سخط أمر الله ، ولم يخلص النية في قربانه ، وقصد إلى أخسّ ما عنده ، وهو قابيل) (١) انتهى.
وبذلك يتضح لك أن الجواب المذكور عار عن وصمة القصور.
وحينئذ ، فيحتمل ـ والله سبحانه أعلم ـ أن المراد بقوله (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) يعني المخلصين في ذلك العمل ، القاصدين به وجهه سبحانه. وعلى هذا فلا دلالة في الآية على ما ادّعاه قدسسره ؛ إذ العمل متى كان غير خالص لوجهه تعالى فهو غير مجز ولا صحيح ، فضلا عن أن يكون مقبولا كما سيتضح لك في آخر هذه المقالة بأوضح دلالة. ولو أريد بالمتقين في الآية : هو من لم يكن فاسقا مطلقا للزم منه بطلان عبادة الفاسق وإن اشتملت على شرائط الصحة والقبول ما عدا التقوى. وحينئذ ، فلا تقبل إلّا عبادة المعصوم أو من قرب من درجته ، وهم أقل قليل ؛ إذ قلّما ينفك من عداهم عن الذنوب.
قال شيخنا أبو علي الطبرسي قدسسره في تفسيره (مجمع البيان) بعد ذكر الآية المذكورة : (واستدل بهذا على أن طاعة الفاسق غير متقبلة ، لكنها تسقط عقاب تركها. وهذا لا يصحّ ؛ لأن المعنى أن الثواب إنما يستحقه من يوقع الطاعة لكونها طاعة ، فإذا فعلها لغير ذلك لا يستحق عليها ثوابا ، ولا يمتنع على هذا أن يقع من الفاسق طاعة يوقعها على الوجه الذي يستحق عليها الثواب فيستحقه) (٢) انتهى.
وهو صريح فيما قلناه ، ومؤيّد لما ادّعيناه.
هذا ، والذي ما زال يختلج بالخاطر الفاتر ، ويدور في الفكر القاصر ـ وإن لم يسبق إليه سابق في المقام ، ولم يسنح لأحد من علمائنا الأعلام ـ هو أن الخلاف
__________________
(١) التفسير الصافي ٢ : ٢٧.
(٢) مجمع البيان ٣ : ٢٢٩.