أحدهما : أنه أراد بالنوع : الصنف ، وبالجنس : فإن النوع يطلق لغة على الصنف ، كما يطلق الجنس على النوع أيضا ، فيكون المراد : أنه يريد به صنفا من النوع ، فإذا قيل لرومي مثلا : هذا واحد من الناس بهذا المعنى ، يراد : أنه صنف من أصناف الناس ، أو صنف هذا من أصناف الناس.
ويحتمل أن يراد بكل من النوع والجنس : معناه المتبادر ، ويكون الضمير في «به» من قوله : «يريد به» راجعا إلى «الناس» ، والمعنى : أنه يريد بالناس : أنه نوع لهذا الشخص. ولعل الأوّل أقرب.
والمعنى الأوّل من الثلاثة الأخيرة هو أول المعنيين اللذين أثبتهما عليهالسلام له سبحانه ، والمعنى الثاني منها ما هو أثبته عليهالسلام ثانيا. ولعل تركه عليهالسلام الثالث وعدم ذكره له في الأقسام للزومه لسابقيه.
وكيف كان ، فقد دلّ هذا الخبر كما عرفت على نفي الوحدة العددية عنه سبحانه على أبلغ وجه ، مع أن عبارة (الصحيفة) الشريفة تدل بظاهرها على ثبوتها له ، بل انحصارها فيه كما يدل عليه تقديم المسند المؤذن بقصر (١) ذلك عليه تعالى لا يتجاوزه إلى غيره.
وحينئذ ، فلا بدّ من بيان معنى المراد منها على وجه ينطبق به مع تلك الأخبار الواردة في هذا المضمار ، فنقول : قد ذكر أصحابنا ـ رضوان الله عليهم ـ في معنى هذه العبارة الشريفة وجوها من الاحتمالات حيث إنها في الحقيقة من المتشابهات :
أحدها : أن المراد بهذا الكلام : (نفي الوحدة العددية ، لا إثباتها) (٢). وأنت خبير بما فيه ؛ إذ وجهه غير ظاهر.
__________________
(١) القصر : تخصيص شيء بشيء بطريق مخصوص. وله أشكال وصور منها تقديم المسند. انظر شرح المختصر ١ : ١٨.
(٢) انظر رياض السالكين ٤ : ٢٩٥.