حالاته وانفراد أحد المخالفين من الحيوانات عن الآخر ممن يأنس به ويستوحش بفقده.
وبالجملة ، فالواحد إنما يوصف بكونه عدديا إذا كان له كثرة بحيث يكون مبدأ لها وعادّا لها ، وإلّا فهو في حد ذاته من حيث هو لا يوصف بذلك. وحينئذ ، فيحمل ما ورد في الأخبار من تنزيهه سبحانه عن الوحدة العددية على المعنى الأوّل ، بمعنى : أنه تعالى ليس بواحد عددي بأن يكون مبدأ كثرة يكون عادّا لها.
وما ورد في الدعاء من ثبوت الوحدانية العددية على المعنى الثاني ، ويؤيده الخبر المنقول عن الباقر عليهالسلام ، والله العالم بمراد أوليائه.
فإن قلت : ما تقول في قوله تعالى (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلّا هُوَ سادِسُهُمْ) (١) ـ الآية ـ فإنها تدل بظاهرها على دخوله سبحانه في الأعداد ، وكونه واحدا من تلك الأفراد ، مع أنه تعالى كما ذكرت منزّه عن الوحدة العددية (٢)؟
قلت : الجواب عن ذلك من وجهين :
أحدهما : ما ذكره شيخنا الصدوق ـ عطر الله مرقده ـ في (التوحيد) حيث قال بعد أن ذكر أن الشيء قد يعد مع ما جانسه وشاكله وماثله ، وأن الله لا يعد على هذا الوجه ولا يدخل في العدد من هذا الوجه ما لفظه : (وقد يعد الشيء مع مالا يجانسه ولا يشاكله ، يقال : هذا بياض ، وهذا بياضان وسواد ، وهذا محدث وهذان محدثان وهذان ليسا بمحدثين ولا مخلوقين ، بل أحدهما قديم والآخر محدث ، وأحدهما ربّ والآخر مربوب. فعلى هذا الوجه يصح دخوله في الأعداد ، وعلى
__________________
(١) المجادلة : ٧.
(٢) وهو أن الواحد في حدّ ذاته من حيث هو لمّا يوصف بالوحدة العدديّة ربما وصف بها هنا من حيث نسبة الأعداد إليه ، والحال أنه ليس هنا كما سبق بيانه. منه رحمهالله ، (هامش «ح»).