تضعيفهم لرواتها لو سايرت البحث معنا حتّى الفصل الرابع «حيّ على خير العمل تاريخها السياسي والعقائدي» إذ هناك ستقف على الاسباب السياسية الكامنة وراء هكذا أمور في الشريعة.
أمّا فيما يتعلّق بالإشكال الثالث من أنَّ عمل النبيّ الأكرم هو الحجّة وليس عمل الصحابة في المورد المشار إليه ، فليس لنا إشكال في أصل هذا الكلام والمبنى ، لكن فيه على أهل السنّة إيرادان : نقضيّ وحلّي ؛ إذ أنك ترى أهل السنّة يتّبعون عمل الصحابة ويجعلونه معياراً لهم في الأحكام الفقهيّة ، ولكنّهم اتّخذوا موقفاً مضادّاً لمنهجيّتهم الفقهيّة في مسألة «حيّ على خير العمل» على الرغم من دعم عمل الصحابة فيها بالنصوص الكثيرة الصريحة والشواهد التاريخيّة المؤيّدة لها.
فعلى الرغم من التزام الصحابة بـ «حيّ على خير العمل» في أذانهم ، وعلى رغم كثرة الروايات التي تؤكّد شرعيّتها ، ترى بعضهم يستثنون حكم هذه المسألة على ضوء طريقتهم فيقولون : الحجّة ـ في هذه المسألة بالذات ـ عمل النبيّ الأعظم وليس عمل الصحابة ، مع أنّ مِن بينهم مَن يقول بأنَّ (فعل الصحابيّ يخصّص القرآن) (١) .. وهذا تناقض واضح وصريح من جانبهم!
بينما تراهم في حين آخر يقولون بأنّ فعل الصحابيّ هو علامة أو انعكاس لفعل النبيّ الأكرم ، ولمّا كان ثمّة خلاف بين فقه عليّ عليهالسلام وفقه عمر ، وبين ابن عمر وعمر نفسه ، وبين الصحابة الآخرين فيما بينهم أيضاً ، فإنّ هذا مؤشر يدلّ دلالة واضحة على وجود مذهبين مختلفين : أحدهما يتبع رسول الله صلىاللهعليهوآله والنصوص الواردة ، والآخر يعطي لنفسه الاجتهاد ، ويتعبد بسيرة الشيخين وإن خالفت سنة رسول الله صلىاللهعليهوآله.
__________________
(١) المذاهب الإسلاميّة لأبي زُهرة.