العمل» (١).
إنّ كل هذه النصوص دالّة على أنّ إسقاط «حيّ على خير العمل» من الأذان كان في عهد عمر بن الخطّاب ، وأنّ الصحابة كانوا قد أذّنوا بها على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وعلى عهد أبي بكر ، وصدراً من خلافة عمر ، وأنّ عمر سمعها يوماً فأمر بالإمساك فيه عنها وقال : إذا سمعها الناس ضيّعوا الجهاد.
إنّ عمر نفَّذَ في أثناء تسلّمه أزمّة الأمور ما كان يطمح إليه من حذف «حيّ على خير العمل» التي كانت في أذان المسلمين ، وقد سمعت أنّ مما نقمه المسلمون على عمر حذفه «حيّ على خير العمل».
ويبدو أنّه لم يتسنَّ لعمر أن يحذفها بعد وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآله مباشرة وإن حاول ذلك ، وكان الجهاد قائماً على سوقه أيضاً ، لكنّه نجح في ذلك عند استلامه الخلافة مسكتاً المعارضين بالقوة والشدة المعهودتين منه.
ومن هنا تعرف أنّ المقصود من كلمة بلال «لا أوذّن لأحد بعد رسول الله» أنّها تعني : أنني لا أوذّن لأحد اغتصب الخلافة ظلماً بعد رسول الله ، ومن جدّ في حذف ما يدل على الإمامة والولاية وإسقاطها من الأذان (٢).
وبهذا فليس هناك تخالف بين مارواه أبو بصير وما قالته الشيعة ـ بفرقها الثلاث ـ وذلك للدور الذي لعبه عمر بن الخطاب إبّان عهد الخليفة الأوّل في رسم الخطوط العامة للحكم الذي يرتضيانه ، إذ أقرّ تلك التطلعات بعد بسط نفوذه في خلافته ، ممّا دعا بلالا الى أن يترك الأذان ويقول : «لا أوذّن لأحد بعد رسول
__________________
(١) الايضاح : ٢٠٦ وراجع كتاب العلوم ١ : ٩٢ والاعتصام بحبل الله المتين ١ : ٢٩٦ ، ٢٩٩ ، ٣٠٤.
(٢) هذا ما سنبحثه في الفصل القادم «حي على خير العمل دعوة إلى الولاية».