إنّ النّصوص السابقة أوقفتنا على وجود اتّجاه في الصحابة وموقف من الأذان يقترح على الرسول أن يتّخذ ناقوساً مثل ناقوس النصارى ، أو بُوقاً مثل بوق اليهود ، فيستاء رسول الله من هذا ويغتمّ لاقتراحات هذا الاتجّاه من الصحابة الذين وصل الأمر بهم إلى أن يقترحوا على الرسول المصطفى إدخال بعض أحكام وأفكار شريعتي موسى أو عيسى المحرَّفتين في منهج الإسلام ، وكأنّ أطروحة الإسلام غير قادرة على أن تفي بالأعباء ؛ فقد رووا عن عمر أنّه قال للنبي صلىاللهعليهوآله «يا رسول الله إنّي مررتُ بأخ لي من يهود فكتب لي جوامع من التوراة ، أفلا أعرضها عليك؟ فتغيّر وجه رسول الله.
فقال عمر : رضيت بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمّد رسولاً ، فسُرّي عن النبيّ ، ثمّ قال صلىاللهعليهوآله : والذي نفسي بيده ، لو أصبح فيكم موسى فاتّبعتموه وتركتموني لضللتم ، إنّكم حظّي من الأمم وأنا حظّكم من النبيّين» (١).
فهؤلاء المجتهدون في الصدر الأوّل كانوا يتعاملون مع الأحكام وفق ما عرفوه من الشرائع السابقة ، وكانوا يتصورون بأنّ الأمر بيدهم يفعلون ما يشاؤون ، فكانوا هم الذين اقترحوا على رسول الله البوق ، الناقوس «فنقسوا أو كادوا أن ينقسوا» حتّى رأى عبدالله بن زيد أو غيره في المنام ....
إذاً فكرة كون تشريع الأذان كان بـ «رؤيا» جاءت من قبل الصحابة المجتهدين ، ثمّ تطوّرت حتّى وصل بها الأمر إلى ما وصل لاحقاً ، وهذا ما يجب
__________________
الاجتهاد الاجتهاد له صلىاللهعليهوآله وليس هو عملاً بمجرد اتمام هذا ما لا يشك فيه بلا خلاف والله اعلم.
(١) المصنّف لعبدالرزّاق ١٠ : ٣١٣ رقم ١٩٢١٣ ، مجمع الزوائد ١ : ١٧٤ وفيه : يا رسول الله ، جوامع من التوراة أخذتها من أخ لي من بني زُرَيق ، فتغيّر وجه رسول الله ...