بلباس الدنيا ، فإن ناصيته بيدي لا يطرف ولا يتنفس إلا بعلمي ، قال : فسكت موسى سبعة أيام لا يتكلم حتى جاءه ملك فقال : أجب ربك فيما أمرك ، فحينئذ.
(قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) أي رب وسّع لى صدرى ، لأعى عنك ما تودعه فيه من وحيك ، وأجترى به على خطاب فرعون ، فإنك قد كلفتنى أمرا عظيما لا يحتمله إلا ذو جأش رابط ، وصدر فسيح ، فقد بعثتني إلى أعظم ملك على وجه الأرض ، وأجبرهم وأشدهم كفرا ، وأكثر هم جندا ، وأعمر هم ملكا ، وأطغاهم وأبلغهم تمردا ، وقد بلغ من تمرده أنه لا يعلم إلها غيره.
وخلاصة ذلك ـ اجعلنى رابط الجأش حتى لا أخاف سواك ، ولا أرهب غيرك ، حين تبليغ رسالتك ، وكن عونى ونصيرى ، وإلا فلا طاقة لى بذلك.
(وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) أي سهّل علىّ القيام بما تكلفنى به من تبليغ الرسالة ، وتحمّلنى من الطاعة ، وأفض علىّ من القوة ما يفى بالعمل على نشر الدين ، وإصلاح حال الخلق.
(وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي) أي وأطلق لسانى بالنطق ليفهموا قولى حين تبليغ الرسالة ، وكان فى لسانه حبسة تمنعه من كثير من الكلام.
وقد روى أن الحسين رضى الله عنه كان فى لسانه رتّة (حبسة) فقال النبي صلّى الله عليه وسلم : إن هذه ورثها من عمه موسى.
ولما كان التعاون على نشر الدين مع خلوص الود قربة عظيمة لله ـ طلب موسى المعاونة على ذلك فقال :
(وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي) أي واجعل لى عونا من أهل بيتي هرون أخى ، ليحمل معى أعباء الرسالة ، ويكون ظهيرا لى عند الشدائد ، وحلول المكاره ، ولمثل هذا قال عيسى عليه السلام «مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ» وقال النبي صلّى الله عليه وسلم : «إن لى فى السماء وزيرين وفى الأرض وزيرين ، فاللذان فى السماء جبريل وميكائيل ، واللذان فى الأرض أبو بكر وعمر».