عتيا : أي تكبرا ومجاوزة للحد ، صليّا : أي دخولا فيها من صلّى بالنار إذا قاسى حرها ، واردها : أي مارّ عليها ، حتما : أي واجبا ، مقضيا : أي قضى بوقوعه البتة.
المعنى الجملي
بعد أن أمر سبحانه بالعبادة والمصابرة عليها على ما فيها من مشاق وشدائد ـ أبان فائدة ذلك وهى أنها تنجيهم يوم الحشر يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، وهو يوم لا ريب فيه ولا وجه لإنكاره ، فإن إعادة الإنسان أهون من بدئه ، ثم ذكر ما يلقاه الكافرون يومئذ من الذل والهوان ، ثم أردف ذلك ببيان أن جميع الخلائق ترد على النار ولا ينجو منها إلا من اتقى ربه وأخلص فى عمله.
روى الكلبي أنها نزلت فى أبىّ بن خلف أخذ عظما باليا فجعل يفتّه بيده ويذريه فى الريح ويقول : زعم فلان أنا نبعث بعد أن نموت ونكون مثل هذا ، إن هذا لن يكون أبدا.
الإيضاح
(وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) أي ويقول الكافر الذي لا يصدّق بالبعث بعد الموت متعجّبا مستبعدا : أأخرج حيا مرة أخرى فأبعث بعد الموت والبلى؟ وأسند القول إلى الكفرة جميعا وإن لم يقل هذه المقالة إلا بعضهم ، من حيث رضاهم عن هذا المقال وسكوتهم عن إنكاره كما سلف لك من قبل.
ثم أقام الدليل على صحة ذلك بقوله :
(أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً؟) أي أولا يتفكر الإنسان المجترئ على ربه ، المنكر لتلك الإعادة بعد الفناء ، وللإحياء بعد الممات ، أن الله خلقه من قبل مماته ، فأنشأه بشرا سويا من غير شىء ، فليعتبر بذلك وليعلم أن من أنشأه كذلك لا يعجز عن إحيائه بعد مماته ، وإيجاده بعد فنائه.