الإيضاح
(يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) أي خذ التوراة التي هى نعمة الله على بنى إسرائيل بجدّ واجتهاد ، وحرص على العمل بها.
ثم وصفه الله بصفات كلها مناهج للخير ووسائل للطاعة فقال :
(١) (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) أي وأعطيناه الحكمة والفقه فى الدين والإقبال على الخير وهو صغير لم يتم سبع سنين ، روى أن الغلمان قالوا له يوما : هيّا بنا نلعب ، قال : ما للّعب خلقنا اذهبوا بنا نصلى.
(٢) (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) أي وجعلناه ذا حنان وشفقة على الناس وحسن نظر فيما وليه من الحكم فيهم ، وقد وصف الله نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم بمثل هذا فى قوله «فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ» وقوله «حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ» (٣) (وزكاة) أي طهارة من الدنس وبعدا من اجتراح الذنوب والآثام.
(٤) (وَكانَ تَقِيًّا) أي مطيعا لما به أمر وعنه نهى ، فلم يفعل معصية ولا همّ بها.
(٥) (وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ) أي كثير البر بهما والإحسان إليهما والحدب عليهما بعيدا عن عقوقهما قولا وفعلا ، وقد جعل الله طاعة الوالدين فى المرتبة التي تلى مرتبة طاعته فقال : «وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً».
(٦) (وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً) أي لم يكن متكبرا على الناس ، بل كان ليّن الجانب متواضعا لهم ، وقد أمر الله نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم بمثل هذا فى قوله : «وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» ووصفه بقوله : «وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ» ومن ثم لما تجبر إبليس وتمرد صار مبعدا من رحمة ربه.
(٧) (عصيا) أي مخالفا لما أمره ربه.
ثم ذكر سبحانه جزاءه على ما قدم من عمل صالح وأسلف من طاعة ربه فقال :
(وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) أي وتحية من الله عليه أول ما يرى الدنيا ، وأول يوم يرى فيه أمر الآخرة ، وأول يوم يرى فيه الجنة والنار.