(فَناداها مِنْ تَحْتِها : أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) أي فناداها عيسى عليه السلام كما قال الحسن البصري وسعيد بن جبير ، (وقد أنطقه الله حين وضعته تطييبا لقلبها ، وإزالة للوحشة عنها حتى تشاهد بادى ذى بدء علوّ شأن ذلك المولود الذي بشرها به جبريل عليه السلام) ألا تحزنى فقد جعل ربك المحسن إليك ، تحتك غلاما رفيع الشأن ، سامى القدر ذا سخاء في مروءة.
(وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) أي أميلى إليك جذع النخلة واجذبيه بتحريكه ، يسقط عليك رطبا جنيا تأكلين منه ما تشائين.
وتلك آية أخرى لها ؛ إذ روى أنها كانت نخلة يابسة لا رأس لها ولا ثمر وكان الوقت شتاء ، فأنزل الله لها رزقا فجعل للنخلة رأسا وخوصا وجعل لها ثمرا رطبا ـ وهذه رواية يعوزها الدليل.
وفى هذا إيماء وتنبيه إلى أن من يقدر أن يثمر النخلة اليابسة فى الشتاء يقدر أن يجعلها تحمل من غير السنن العادية ، وإلى أن السعى فى الرزق مطلوب ولا ينافى التوكل ، ولله در القائل :
ألم تر أن الله أوحى لمريم |
|
وهزّى إليك الجذع يسّاقط الرّطب |
ولو شاء أحنى الجذع من غير هزّه |
|
إليها ولكن كل شىء له سبب |
(فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً) أي فكلى من ذلك الرطب ، واشربى من عصيره ، وطيبى نفسا ، وأبعدى عنك الأحزان ، فإن الله قدير أن ينزّه ساحتك ويبعد عنك تخرّصات المبطلين الذين يتقيدون بالسنن التي جعلها الله الطريق للولادة فى البشر ، ويرشدهم إلى الوقوف على سريرة أمرك حتى يثبتوا لك القداسة والطهر.
(فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) أي فإن رأيت أحدا من بنى آدم يسألك عن أمرك ، وأمر ولدك وكيف ولدته ، فأشيرى إليهم ـ إنى أوجبت على نفسى لله صمتا ألّا أكلم اليوم أحدا ، فإن كلامى يقبل الرد والجدل ، ولكن يتكلم عنى ذلك المولود الذي لا يقبل كلامه الدفع والرد ، وإنى أنزّه نفسى عن مجادلة السفهاء ، ولا أكلم إلا الملائكة أو أناجى الخالق.