وإنما قالوا برب هرون وموسى ولم يقصروا على قولهم (رب العالمين) لأن فرعون كان قد ادّعى الربوبية فقال : «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى» والألوهية إذ قال : «ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي» فلو قالوا ذلك فحسب لقال فرعون : آمنوا بي ، وإنما لم يقتصروا على ذكر موسى بل ذكروا هرون وقدموه عليه خوفا من هذه الشبهة أيضا ، إذ أن فرعون كان يدعى ربوبيته لموسى ، لأنه رباه فى صغره كما قال : «أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً».
ولما خاف فرعون أن يصير ذلك سببا لاقتداء الناس بهما فى الإيمان بالله ورسوله ألقى شبهة فى النبي ونبوته.
(قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) أي إنكم قد فعلتم جريرتين وارتكبتم جرمين :
(١) إنكم آمنتم له قبل البحث والتفكير ، فإيمانكم لم يكن عن بصيرة وأناة فلا يعتدّ به.
(٢) إنكم تلاميذه فى السحر ، فتواطأتم على أن تظهروا العجز من أنفسكم ترويجا لدعوته وتفخيما لأمره.
وبعد أن أورد هذه الشبهة اشتغل بالتهديد تنفيرا لهم من الإيمان ، وتحذيرا لغيرهم عن الاقتداء بهما فقال :
(فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) أي أقسم بالله لأقطّعنها مختلفات ، بأن تقطع الأيدي اليمنى والأرجل اليسرى ، وإنما اختار ذلك دون القطع من وفاق ، لأن فيه إهلاكا وتفويتا للمنفعة.
(وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) زيادة فى إيلامكم وتشهيرا بكم.
وخلاصة ذلك ـ لأجعلنكم مثلة ، ولأزيلن مالكم من منافع ، ولأشهرنّ بكم ، قال ابن عباس : فكان أول من عذب بهذا العذاب.
(وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى) أي ولتعلمن أنا أو موسى أشد عذابا وأبقى.