وخصت الصلاة بالذكر من بين سائر العبادات ، لما لها من الفضل على سواها ، إذ فيها ذكر المعبود وشغل القلب واللسان بذلك ، ومن ثم تنهى عن الفحشاء والمنكر أخرج الترمذي وابن ماجه فى جماعة آخرين من حديث أبى هريرة قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها ، فإن الله قال : أقم الصلاة لذكرى» ثم بين السبب فى وجوب العبادة وإقامة الصلاة فقال : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها) أي إن الساعة آتية لا محالة ، وإنى أكاد أخفيها من نفسى ، فكيف يعلمها غيرى من الخلق ، وقد جاء هذا على سنن العرب فى تخاطبهم يقول أحدهم إذا بالغ فى كتمان السر : كتمت سرى من نفسى ، يريد أنه أخفاه غاية الإخفاء.
وفائدة إخفائها التهويل والتخويف ، فإنهم إن لم يعلموا متى تقوم الساعة يكونوا منها على حذر ، ولمثل تلك الفائدة أخفى الله وقت الموت ، لأن المرء إذا علم وقت موته وانقضاء أجله اشتغل بالمعاصي إلى أن يقرب ذلك الحين فيتوب ويصلح عمله ، وقد وعد الله بقبول توبته ، وهذا يكون كالإغراء على المعصية ، لكنه إن لم يعلم حين منيّته كان منها على حذر ، ولا يزال على قدم الخوف والوجل ، فيترك المعاصي ويتوب منها فى كل حين خوف معاجلة الموت.
(لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) أي إن الساعة آتية لا محالة ، ليجزى كل عامل بعمله كما قال : «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» وقال : «إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ».
ثم خاطب سبحانه موسى محذّرا له فقال :
(فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى) أي فلا يردنّك يا موسى عن التأهب للساعة من لا يقرّ بقيامها ولا يصدّق بالبعث ، ولا يرجو ثوابا ، ولا يخاف عقابا ، بل يركب رأسه ويخالف أمر ربه ونهيه ، فإنك إن فعلت ذلك وقعت