(فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) أي فلما خرج موسى نحوها وجد نارا بيضاء تتقد كأضو إما يكون فى شجرة خضراء ، فلا ضوء النار يغير خضرتها ، ولا خضرة الشجرة تغير ضوء النار ـ وهناك نودى يا موسى ، قال من المتكلم؟ قال إنى أنا ربك.
ثم أمره أن يخلع نعليه احتراما للبقعة المقدسة فقال :
(فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) إذ أن الحفوة أقرب إلى التواضع وحسن الأدب ، ومن ثم طاف السلف الصالح بالكعبة حافين.
ثم بين سبب الأمر بذلك بقوله :
(إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) أي لأنك بالوادي المطهّر المسمى بطوى ، فاخلعها ليحصل للقدمين بركته.
(وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى) أي وأنا اصطفيتك من قومك بالنبوة والرسالة ، فعليك أن تسمع لما أوحيه إليك.
ونحو الآية قوله : «إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي».
وقصارى ذلك ـ لقد جاءك أمر عظيم فتأهب له ، واجعل كل خاطرك مصروفا إليه ، وقد قالوا : إن من أدب الاستماع سكون الجوارح والأعضاء ، وغض البصر ، والإصغاء بالسمع ، وحضور القلب ، والعزم على العمل.
وقد بين سبحانه أهم ما يوحى إليه بقوله :
(إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) أي إن أول الواجب على المكلف أن يعلم أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
(فَاعْبُدْنِي) أي وإذ كنت أنا الإله حقا ولا معبود سواى ، فخصنى بالعبادة والتذلل والانقياد فى جميع ما كلفتك به.
(وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) أي وأدّ الصلاة على الوجه الذي أمرتك به مقوّمة الأركان مستوفاة الشرائط ، لتذكرنى فيها وتدعونى دعاء خالصا لا يشو به إشراك ولا توجه إلى سواى.