وإنما أوتر إبهام العصا تهويلا لأمرها ، وتفخيما لشأنها ، وإيذانا بأنها ليست من جنس العصىّ المعهودة ، لما سينشأ عنها من عجيب الأثر وغريب الصنع.
(إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ) أي إن الذي فعلوه بعد تدرّب كثير وممارسة طويلة ، كيد سحرى لا حقيقة له ولا بقاء.
وخلاصة ذلك ـ إن الذي ، معك يا موسى معجزة إلهية ، والذي معهم تمويه وتلفيق ظاهر عليه الزور والبهتان ، فكيف يتعارضان؟.
(وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) أي ولا ينال الساحر مقصوده بالسحر ، خيرا كان أو شرا حيثما كان.
ثم ذكر سبحانه ما يدل على أنه امتثل أمر ربه وألقى العصا وكان ما وعد به من تلقفها لما صنعوا فقال :
(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى) أي فألقى ما فى يمينه وصار حية تلقف ما صنعوا وظهر للسحرة جليّة الأمر وأن ما عمله ليس بالسحر ، فهو ليس من فنون السحر التي حذقوها ، ولا من أنواع الحيل التي عرفوها ، وإنه الحق الذي لا مرية فيه ، ولا يقدر على مثله إلا من يقول للشىء كن فيكون ، حينئذ وقعوا سجدا لله وقالوا آمنا برب العالمين ، رب موسى وهرون.
روى أن رئيسهم قال : كنا نغلب الناس بالسحر وكانت الآلات تبقى علينا ، فلو كان هذا سحرا فأين الذي ألقيناه ، فاستدلوا بتغيير أحوال الأجسام على وجود الصانع القادر ، وبظهورها على يد موسى على كونه رسولا صادقا من عند الله ، لا جرم تابوا وآمنوا وأتوا وهم خاضعون ساجدون.
قال صاحب الكشاف ـ سبحان الله ، ما أعجب أمرهم ، قد ألقوا حبا لهم وعصيهم للكفر والجحود ، ثم ألقوا رءوسهم بعد ساعة للشكر والسجود اه.
روى عن ابن عباس أنه قال : كانوا أول النهار سحرة ، وفى آخره شهداء بررة ؛ وروى عنه عكرمة أنه قال : كان السحرة سبعين رجلا ، أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء.