وقد رد الله عليهم شبهتهم بقوله :
(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً) أي وكم من أمة من المكذبين قد أهلكناهم بكفرهم وقد كانوا أحسن من هؤلاء أموالا وأثاثا ومناظر ذات جمال وزخرف.
وخلاصة هذا ـ إن كثيرا ممن كانوا أعظم منكم نعمة فى الدنيا كعاد وثمود وأضرابهم من الأمم العاتية قد أهلكهم الله ، فلو صدق ما تدّعون من أن النعمة فى الدنيا تدل على الكرامة عند الله ، ما أهلك أحدا من المتنعمين بها.
وفى هذا تهديد ووعيد لا يخفى ، وكأنه قد قيل : فليرتقب هؤلاء ، فسيحلّ بهم مثل ما حل بمن قبلهم من المثلات.
ثم أمر عز اسمه نبيه أن يجيب هؤلاء المفتخرين بقوله :
(قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا. حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً) أي قل أيها الرسول لهؤلاء المدّعين أنهم على الحق ، وأنكم على الباطل : إن ما افتخرتم به من زخرف الدنيا وزينتها لا يدل على حسن الحال فى الآخرة ، فقد جرت سنة الله بأن من كانوا منهمكين فى الضلالة ، مرخين لأنفسهم الأعنّة ، فى سلوك المعاصي والآثام ، يبسط لهم نعيم الدنيا ، ويطيب عيشهم فيها ، ويمتعهم بأنواع اللذات ، ولا يزال يمهلهم استدراجا لهم إلى أن يشاهدوا ما وعدوا به رأى العين ، إما عذابا فى الدنيا كما حصل يوم بدر ، وإما مجىء الساعة وهم بها مكذبون ، وعن الاستعداد لها مفرّطون ، وإذ ذاك يعلمون من هو شر من الفريقين مكانا ، وأن الأمر على عكس ما كانوا يقدّرون ، وسيرون أنهم شر مكانا وأضعف جندا وأقل ناصرا من المؤمنين ، وهذا رد على قولهم (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا).
وقصارى ذلك ـ إن من كان فى الضلالة فسنة الله أن يمدّ له ويستدرجه ليزداد