كل جماعة منهم من هو أشد على الرحمن الذي غمر هم بإحسانه ـ تكبرا ومجاوزة للحدود التي سهّا لخلقه وقصارى ذلك ـ إن الله تعالى يحضرهم أولا حول جهنم ، ثم يميز بعضهم عن بعض ، فمن كان أشدهم تمردا فى كفره ، خص بعذاب أعظم ، فعذاب الضالّ المضلّ فوق عذاب من يضلّ بالتبع لغيره.
(ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا) أي ثم لنحن العالمون بظواهر أعمالهم وبواطنها ، وبما اجترحوا من السيئات ، وبما دسّوا به أنفسهم من الموبقات ، من هم أولى بجهنم دخولا واحتراقا ، فنبدأ بهم أولا ثم بمن يليهم.
وخلاصة هذا ـ إنهم جميعا يستحقون العذاب ، لكنا ندخلهم فى جهنم بحسب عتيّهم وتجبرهم فى كفرهم.
ثم خاطب سبحانه الناس جميعا فقال :
(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) أي وما أحد منكم أيها الناس إلا يدنو من جهنم ويصير حولها ، قد قضى ربك بذلك وجعله أمرا محتوما مفروغا منه.
روى السدى عن ابن مسعود قال : «يرد الناس جميعا الصراط ، ويقومون حول النار ، ثم يصدرون عن الصراط بأعمالهم ، فمنهم من يمر مثل البرق ، ومنهم من يمر مثل الريح ، ومنهم من يمر مثل الطير ، ومنهم من يمر كأجود الخيل ، ومنهم من يمر كأجود الإبل ، ومنهم من يمر كعدو الرجل ...» فى حديث طويل ، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : «يرد الناس كلهم النار ثم يصدرون بأعمالهم». (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) أي إذا مر الخلائق كلهم على النار وسقط فيها من سقط من الكفار والعصاة على قدر ما اجترحوا من الآثام والذنوب ـ نجى الله المتقين منها بحسب أعمالهم ، وترك الكافرين جاثين على الركب كما جاءوا.