ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) أي جيئونى بقطع الحديد ، فلما جاءوه بها أخذ يبنى شيئا فشيئا حتى إذا جعل ما بين جانبى الجبلين من البنيان مساويا لهما فى العلو ، قال للعملة : انفخوا بالكيران فى زبر الحديد التي وضعت بين الصدفين ففعلوا ، ومازالوا كذلك حتى صارت كالنار اشتعالا وتوهجا ، فصب النحاس المذاب على الحديد المحمى فالتصق بعضه ببعض ، وسدّ الفجوات التي بين الحديد وصار جبلا صلدا.
(فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) أي إن يأجوج ومأجوج ما قدروا أن يصعدوا من فوق السد لارتفاعه وملاسته ، ولا استطاعوا نقبه لصلابته وثخانته.
(قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي) أي قال ذو القرنين لأهل تلك الديار : هذا السد نعمة من الله ورحمة بعباده ، إذ صار حاجزا بينكم وبين يأجوج ومأجوج يمنعهم من أن يعيثوا فى الأرض فسادا.
(فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ) اى فإذا دنا وقت خروجهم من وراء السد جعله ربى بقدرته وسلطانه أرضا مستوية ، فسلط عليهم منهم أو من غيرهم من يهدمه ويسوى به الأرض.
(وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) أي وكان كل ما وعد به سبحانه حقا ثابتا لا ريب فى تحققه ، وقد جاء وعده تعالى بخروج جنكيزخان وسلائله فعاثوا فى الأرض فسادا من الشرق والغرب وفعلوا الأفاعيل بالدولة الإسلامية ، وأزالوا معالم الخلافة من بغداد كما علمت ذلك فيما سلف.
وقد ذكر المؤرخون أن سبب خروج جنكيز خان أن سلطان خوارزم السلجوقي قتل رسله وتجاره المرسلين من بلاده ، وسلب أموالهم ، وأغار على أطراف بلاده ، فاغتاظ ، وكتب إلى السلطان كتابا قال فيه : كيف تجرأتم على أصحابى ورجالى ، وأخذتم تجارتى ومالى ... ا تحركون الفتنة النائمة. وتنبهون الشرور الكامنة ...