لهم لتكون ابتلاء واختبارا ، وما عند الله خير منها وأبقى ، ثم طلب إليه أن يأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها ، وهو لا يكلفه رزقا لنفسه ولا لغيره ، فالله يرزقه من واسع فضله ، وعظيم عطائه ، والعاقبة لمن اتقى : «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً ، وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ».
الإيضاح
(أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ؟) أي أفلم يرشدهم إلى وجه العبر ، إهلاكنا كثيرا من الأمم الماضية ، والقرون الغابرة ، التي يمرون عليها مصبحين وبالليل ؛ كعاد وثمود الذين يشاهدون آثارهم العظيمة الدالة على ما كانوا عليه من النعيم ثم ما حلّ بهم من صنوف البلاء ، فيتعظوا ويعتبروا ويؤمنوا بالله ورسوله خوف أن يصيبهم بكفرهم مثل ما أصاب هؤلاء السابقين.
وللمشاهدة من العبرة ما ليس لغيرها فقد قالوا «ليس الخبر كالخبر» وقالوا : «ما راء كمن سمع».
وخلاصة ذلك ـ إن فى مشاهدة ما حصل للأمم الماضية ، ورؤية آثارها البائدة التي يمرون عليها فى رحلاتهم فى الصيف لعبرة وزاجرا لهم لو كانوا يعقلون.
ثم علل هذا الزجر والإنكار بقوله :
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) أي إن فيما يعاين هؤلاء ويرون من آثار وقائعنا بالأمم المكذبة لرسلنا وحلول المثلات بهم لكفرهم بربهم ـ لعبرا وعظات لأرباب الحجا الدين ينهاهم دينهم ، ويؤنّهم عقلهم ، من مواقعة ما يضرهم.
ولما هدد المشركين بالهلاك كهلاك المكذبين من الماضين ، ذكر سبب تأخير ذلك عنهم فقال :
(وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى) أي ولو لا الكلمة النافذة التي سبقت منا فى الأزل ، وهى أن أمة محمد ـ وإن كذبوا ـ سيؤخر عذابهم