وخالف أمرى ، وترك العهد الذي أمرته ، به ولم يهتم بالعمل به ، ولم نجد له ثباتا فى الرأى ولا تصميما فى العزيمه.
وخلاصة ذلك ـ إنه ترك ما وصّى به من الاحتراس من الأكل من الشجرة.
ثم بين سبحانه ما عهد إليه به وكيفية نسيانه وفقدان عزمه فقال :
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) أي واذكر أيها الرسول الكريم ما وقع فى ذلك الحين منا ومن آدم ، حتى يستبين لك نسيانه وفقدان عزمه إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فلبّوا الأمر إلا إبليس فإنه امتنع وأبى أن يكون مع الساجدين.
وقد تقدم هذا القصص فى سورة البقرة والأعراف والحجر والإسراء والكهف ، وسيأتى ذكره فى سورة ص ، وفيه إشارة إلى تكريم آدم وتشريفه ، وتفضيله على كثير ممن خلق.
(فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ) أي فقلنا له عقب ذلك رعاية لإرشاده ونصحه : إن هذا الذي رأيت منه ما رأيت ـ عدوّ لك ولزوجك ، ومن ثم لم يسجد لك وخالف أمرى وعصانى ، فلا تطيعاه فيما يأمر كما به.
(فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) أي فلا يكونن سببا لإخراجكما من الجنة ، فتتعبا بمتاعب الدنيا التي لا تكاد تحصى.
وخلاصة ذلك ـ إياك أن تسعى فى إخراجك منها فتتعب وتشقى فى طلب رزقك ، وأنت هاهنا فى عيش رغد هنىء بلا كلفة ولا مشقة.
ثم علل ما يوجبه النهى عن ذلك فقال :
(إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى. وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) أي لا يكون لك فى الجنة جوع ولا عرى ، ولا ظمأ ولا إصابة بحر الشمس.
وقرن بين الجوع والعرى أوّلا ، لأن فى الجوع ذل الباطن وفى العرى ذل الظاهر ، وبين حر الباطن وهو العطش وحر الظاهر وهو الضّحى ثانيا.