وفى ذلك إيماء إلى اقتداره وقهره وبيان ما ألفه وضرى به من تعذيب الناس بأنواع العذاب ، كما فيه تحقير لشأن موسى واستضعاف له مع السخرية منه.
ثم لما صال عليهم بذلك وتوعدهم هانت عليهم أنفسهم فى الله.
(قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ) أي لن نختارك بالإيمان والانقياد على ما جاءنا من الله على يد موسى من المعجزات التي اشتملت عليها العصا.
وفى هذا إشارة إلى أن فرعون طلب منهم الرجوع عن الإيمان بموسى ، وإلا فعل بهم ما أوعدهم به.
(وَالَّذِي فَطَرَنا) أي لن نختارك على ما جاءنا من الهدى ، وعلى فاطرنا وخالقنا الذي أنشأنا من العدم ، إذ هو المستحق للعبادة والخضوع ، لا أنت.
ولما علموا أنهم متى أصروا على الإيمان ، فعل فرعون ما أوعدهم به قالوا :
(فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) أي فافعل ما شئت ، وما وصلت إليه يدك فوعيدك لا يزحزحنا عن إيماننا واطمئناننا بما صرنا إليه.
ثم بينوا ما لأجله يسهل عليهم احتمال ذلك فقالوا :
(إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا) أي إنما لك تسلط علينا فى هذه الدار دار الزوال ونحن نرغب فى دار البقاء.
وقصارى ردهم ـ إنك إنما تصنع ما تهوى فى هذه الدنيا فحسب ، وإنا لا نأبه بنعيمها ، ولا نرهب عذابها.
(إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ) أي إنا آمنا بربنا المحسن إلينا طوال أعمارنا ، ليستر ما اجترحنا من الذنوب والآثام ، ولا سيما ما أكرهتنا عليه من السحر لنعارض به آيات الله ومعجزاته.
روى الحسن أن السحرة الذين حشدوا من المدائن ليعارضوا موسى ، أحضروا مكرهين ، وأكرهوا على إظهار السحر ، وروى أن رؤساء السحرة كانوا اثنين وسبعين ، اثنان منهم من القبط ، والباقون من بنى إسرائيل أكرههم فرعون على تعلّم السحر.