الإيضاح
(فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى) أي فانصرف عن مجلس الحجاج والمناظرة ، وشرع يعدّ ما يكيد به من السحرة وآلاتهم وأنصاره وأعوانه ، وكثير ما هم ، ثم أقبل فى الموعد الذي عيّن ومعه جمعه ، وجلس على سرير ملكه وحوله أكابر دولته ، واصطفت الرعية يمنة ويسرة ، وأقبل موسى يتوكأ على عصاه ومعه أخوه هارون ، ووقف السحرة صفوفا بين يدى فرعون يحرّضهم ويستحثهم ويرغّبهم فى جودة العمل ، ويتمنّون عليه وهو يعدهم ويمنيهم ، وقد جاء فى سورة الشعراء : «قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ. قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ».
ثم ذكر سبحانه ما كان من موسى حينئذ فقال :
(قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ) أي قال موسى للسحرة : لا تختلقوا الكذب على الله ولا تتقولوه عليه ، بأن تدّعوا أن الآيات التي ستظهر على يدىّ سحر كما فعل فرعون ، فيستأصلكم بعذاب من عنده ، ولا يبقى منكم ولا يذر.
(وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى) على الله الكذب ، ولم يفلح فى سعيه ، ولم يصل إلى غرضه ، فابتعدوا عن اختلاق الأكاذيب ، ولا تضلّوا سواء السبيل ، حتى لا يصيبكم ما أصاب المفترين الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
ولما سمع السحرة كلام موسى وهارون هاجهم ذلك.
(فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى) أي فتشاوروا وتفاوضوا ماذا يفعلون ، وبالغوا فى كتمان ما يقولون عن موسى وأخيه حتى لا يسمعا ما يدور من القول ، فيعدّا للأمر عدته ، ويهيئا وسائل الدفاع ، ومن الطّبعى فى مثل هذه الأحوال أن يخفى أحد المتخاصمين كل ما يدبّره من وسائل الفوز والفلج عن خصمه الآخر.
ثم بين سبحانه خلاصة ما استقرت عليه آراؤهم بعد التناظر والتشاور بقوله :