والمعنى ـ إنه قد أتاك خبرهم وعرفت ما فعلوا ، وما جازاهم ربهم به ، فذكر قومك بأيام الله ، وأنذرهم أنه سيصيبهم مثل ما أصاب أمثالهم من أهل الضلال.
ثم بيّن من هم أولئك الجنود فقال :
(فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) وحديث هذين مشهور متعارف بينهم ، فقد كانوا يعرفون من يهود المدينة وغيرهم ما كان من فرعون مع كليم الله موسى من العناد والإصرار على الكفر ، وما كان من عاقبة أمره وأن الله أغرقه فى اليمّ هو وقومه ، وأذاقه الوبال فى الآخرة والأولى.
كما كانوا يعرفون قصة ثمود مع صالح عليه السلام وأنهم عقروا الناقة التي جعلها الله لهم آية ، فدمّر بلادهم وأهلكهم ولم يترك لهم من باقية ، وهم يمرّون على ديارهم فى أسفارهم ويسمعون أخبارهم.
وخلاصة ذلك ـ إن الكفار فى كل عصر متشابهون ، وأنّ حالهم مع أنبيائهم لا تتغير ولا تتبدل ، فهم فى عنادهم واستكبارهم سواسية كأسنان المشط ، فقومك أيها الرسول ليسوا ببدع فى الأمم ، فقد سبقتهم أمم قبلهم وحلّ بهم من النكال ما سيحل بقومك إن لم يؤمنوا ، «فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ».
وقد أشار إلى أن هذه شنشنتهم فى كل عصر ومصر فقال :
(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ) أي إن الكفار فى كل عصر غارقون فى شهوة التكذيب حتى لم يدع ذلك لعقلهم مجالا للنظر ، ولا متسعا للتدبر ، ولا يزالون فى غمرة حتى يؤخذوا على غرة.
ثم سلى رسوله من وجه آخر فقال :
(وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) أي إنه سبحانه مقتدر عليهم وهم فى قبضته لا يجدون مهربا ، ولا يستطيعون الفرار ، إذا أرادوا.
فلا تجزع من تكذيبهم واستمرارهم على العناد ، فلن يفوتونى إذا أردت الانتقام منهم.