ثم فصل بعض أهوال هذا اليوم فقال :
(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ. وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ. وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ. لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) أي يوم يشغل كلّ امرئ ما يصيبه من الأهوال ، فيفر ممن يتوهم أنه يتعلق به ، ويطلب معونته ، على ما هو فيه ، فيتوارى من أخيه ، بل من أمه وأبيه ، بل من زوجه التي هى ألصق الناس به ، وقد كان فى الدنيا يبذل النفس والنفيس فى الدفاع عنها ، بل من بنيه وهم فلذات كبده ، وقد كان فى الحياة الأولى يفديهم بماله وروحه ، وهم ريحانة الدنيا ونور الحياة أمام عينه.
ونحو الآية قوله : «يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً».
وإنما كان الأمر كذلك ، لأن لكل امرئ منهم من الرهب ، وما يرهب من الهول ، وما يخشى من مناقشة الحساب ـ شأنا يغنيه ، ويصدّه عن ذوى قرابته ، فليس لديه فضل فكر ولا قوة يمدّ بها غيره.
وقد يكون المعنى ـ يغنيه ذلك الهم الذي ركبه بسبب نفسه ، وشغله حتى ملأ صدره ، فلم يبق فيه متسع لهمّ آخر.
وبعد أن ذكر الأهوال التي تعرض للناس فى ذلك اليوم ، وأنها لا تسعف أحدا بمواساة أحد ولا الالتفات إليه مهما يكن عطفه واتصاله به ـ أردفه بيان أن الناس فى ذلك اليوم سعداء وأشقياء ، وأشار إلى الأولين بقوله :
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ. ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) أي وجوه يومئذ متهللة ضاحكة فرحة بما تجد من برد اليقين بأنها ستوفّى ما وعدت به جزاء إيمانها وما قدمت من عمل صالح ، وبشكرها لنعم ربها وآلائه ، وإيثارها ما أمرها به على ما تهواه.
وأشار إلى الآخرين بقوله :
(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ. تَرْهَقُها قَتَرَةٌ. أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) أي ووجوه يعلوها غبار الذل وسواد الغم والحزن ، وهى وجوه الكفار الذين لم يؤمنوا