السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ». وقوله : «أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ؟».
وفى هذا من التقريع والتوبيخ ما لا يخفى.
وبعد أن أشار إلى عظم خلق السموات إجمالا شرع يبين ذلك تفصيلا فقال :
(بَناها. رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها) أي ضم أجزاءها المتفرقة وربطها بما يمسكها حتى حصل عن جميعها بنية واحدة ، فقد أبدع فى خلق الكواكب وجعل كل كوكب منها على نسبة من الآخر ، وجعل لكل منها ما يمسكه فى مداره حتى كان من مجموعها ما يشبه البناء وهو ما نسميه بالسماء.
وقد جعلها ذاهبة فى العلوّ صعدا ، وعدّ لها فوضع كل جزء منها فى موضعه الذي يستحقه ويحسن أن يكون فيه.
(وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها) أي وجعل ليلها مظلما بمغيب كواكبها ، وأبرز نهارها ، وعبر عن النهار بالضحى ، لأنه أشرف أوقاته وأطيبها ، وفيه من انتعاش الأرواح ما ليس فى سائرها.
وتعاقب الليل والنهار واختلاف الفصول التابع لحركة بعض السيارات يهيىء الأرض للسكنى ومن ثم قال :
(وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) أي ومهد الأرض بعد ذلك وبسطها للسكنى ، وسير الناس والأنعام عليها ، وقد كانت مخلوقة غير مدحوّة قبل ذلك ، فلا تخالف هذه الآية ما جاء فى سورة السجدة من قوله : «أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ. وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ. ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ».