(جَزاءً وِفاقاً) أي إنه تعالى ينزل بهم شديد عقابه من جزاء أنهم أتوا بفظيع المعاصي ، فيكون العقاب وفق الذنب ومقداره كما قال : «وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها».
قال مقاتل : وافق العذاب الذنب ، فلا ذنب أعظم من الشرك ، ولا عذاب أعظم من النار. وقال الحسن وعكرمة : كانت أعمالهم سيئة فأتاهم الله ما يسوءهم.
وبعد أن بين على طريق الإجمال أن هذا الجزاء الذي أعد لهم كان وفق جرمهم ـ فصل أنواع جرائمهم فذكر أنها نوعان فقال :
(١) (إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً) أي إنهم فعلوا من القبائح ما فعلوا ، واجترحوا من السيئات ما شاءت لهم أهواؤهم ، لأنهم ما كانوا ينتظرون يوم الحساب ولا يتوقعونه.
ورغبة المرء فى فعل الخيرات ، وترك المحظورات ، إنما تكون غالبا لاعتقاده أنه ينتفع بذلك فى الآخرة ، فمن كان منكرا لها لا يقدم على شىء مما يحسن عمله ، ولا يحجم عن أمر مما يقبح.
(٢) (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً) أي وكذبوا لجميع البراهين الدالة على التوحيد والنبوة والمعاد وبجميع ما جاء فى القرآن.
والخلاصة ـ إنهم أقدموا على جميع المنكرات ، ولم يرعووا عن فعل السيئات وأنكروا بقلوبهم الحق واتبعوا الباطل.
وبعد أن بين فساد أحوالهم العملية والاعتقادية ـ أرشد إلى أنها فى مقدارها وكيفيتها معلومة له تعالى لا يغيب عنه شىء منها فقال :
(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً) أي إنا علمنا جميع ما عملوا علما ثابتا لا يعتريه تغيير ولا تحريف ، فلا يمكنهم أن يجحدوا شيئا مما كانوا يصنعون فى الحياة الدنيا حين يرون ما أعد لهم من أنواع العقوبات ، لأنا قد أحصينا ما فعلوه إحصاء لا يزول منه شىء ولا يغيب ، وإن غاب عن أذهانهم ونسوه كما قال : «أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ»