وتكتفى فى المرعى بما تيسر لها من الشوك والشجر ، إلى أنها أعجب ما عندهم ، وهم واقفون على أحوالها ، عالمون بطباعها.
وجاء الكلام بطريق الاستفهام ، إنكارا عليهم ، وتوبيخا لهم على جحد أمر البعث.
(وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ) أي ألا يشاهدون السماء وقد رفعت رفعا سحيق المدى بغير عمد؟
(وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) أي وإلى الجبال كيف وضعت وضعا ثابتا لا ميدان فيه ولا اضطراب ، فيتسنى ارتقاؤها فى كل حين ، وتجعل أمارة للسالكين فى تلك الفيافي والقفار ، وتنزل عليها المياه التي ينتفع بها فى سقى النبات ورىّ الحيوان.
(وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) ومهدت على ما يقتضيه صلاح أمور ساكنيها وانتفاعهم بما فى ظاهرها من المنافع وما فى باطنها من المعادن.
وقصارى ما سلف ـ إنه لو نظر هؤلاء الجاحدون المعاندون فيما تقع عليه أنظارهم من هذه الأشياء وفكروا فيها ، لعلموا أنها صنعة لا توجد إلا بموجد عظيم ، ولا تحفظ إلا بحافظ قدير ، ولأدركوا أن القادر على خلق هذه المخلوقات وسوّاها وحفظها ووضعها على قواعد الحكمة ـ قادر على أن يرجع الناس فى يوم يوفى فيه كل عامل جزاء عمله ، وأن ينشئ النشأة الآخرة من غير أن يعرفوا طريق إنشائها ، فلا ينبغى أن يكون جهلهم بكيفية يوم القيام سببا فى جحده وإنكاره.
وإنما خص هذه المخلوقات بالذكر ، لأن الناظر منهم يفكر فى أقرب الأشياء إليه ، فهو يرى بعيره الذي يمتطيه ، ثم إذا هو رفع رأسه فوق رأى السماء ، ثم إذا التفت يمنة أو يسرة رأى ما حواليه من الجبال ؛ فإذا مدّ ناظريه أمامه أو تحته رأى الأرض ، فالعربى يرى ذلك كل يوم ، ومن ثمّ أمره الله بالتدبر فيها.