الرسول فيما جاء به عن ربه ، وتولى : أي أعرض عن طاعة ربه ، وسيجنبها : أي يبعد عنها ويصير منها على جانب ، والأتقى : المبالغ فى اتقاء الكفر والمعاصي : الشديد التحرز منهما ، يتزكى : أي يتطهر ، تجزى : أي تجازى وتكافأ ، ابتغاء وجه ربه : أن طلب مثوبته.
المعنى الجملي
بعد أن بين سبحانه أن سعى الخلائق مختلف فى نفسه وعاقبته ، وأرشد إلى أن المحسن فى عمله يوفقه الله إلى أعمال البر ، وأن المسيء فيه يسهل له الخذلان ـ أردفه أنه قد أعذر إلى عباده بتقديم البيان الذي تنكشف معه أعمال الخير والشر جميعا ، ووضح السبيل أمام كل سالك ، فإن شاء سلك سبيل الخير فسلم وسعد ، وإن أراد ذهب فى طريق الشر فتردّى فى الهاوية.
روى أن الآيات نزلت فى أبى بكر رضى الله عنه. وقد كان من أمره أن بلال ابن رباح عليه الرضوان ، وكان مولى لعبد الله بن جدعان ـ جاء إلى الأصنام وسلح عليها ، فشكا كفار مكة إلى مولاه فوهبه لهم ، ووهب لهم مائة من الإبل ينحرونها لآلهتهم فجعلوا يعذبونه ويخرجونه إلى الرمضاء ، وكان يقول وهم يعذبونه : أحد أحد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر به وهو يعذب فيقول له : ينجيك أحد أحد ، ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضى الله عنه بما يلقى بلال فى الله ، فحمل أبو بكر رطلا من ذهب وابتاعه من المشركين وأعتقه ، فقال المشركون : ما فعل ذلك أبو بكر إلا ليد كانت لبلال عنده ، فنزل قوله : «وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى» الآيات.
الإيضاح
(إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى) أي إنا خلقنا الإنسان وألهمناه التمييز بين الحق والباطل ، وبين الخير والشر ، ثم بعثنا له الكملة من أفراده ، وهم الأنبياء وشرعنا لهم الأحكام