الشيطان على لسانه حين خالط عقله كما تزعمون ، فإنه قد عرف بصحة العقل ، وبالأمانة على الغيب ، فلا يكون ما يحدّث به من خبر الآخرة والجنة والنار من قول الشياطين.
وقد حكى الله سبحانه عن الأمم جميعا أنهم رموا أنبياءهم بالجنون فقال : «كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ».
ثم ذكر أنهم قوم قد ضلوا طريق التدبر ، وجهلوا سبيل الحكمة فقال :
(فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) أي فأىّ سبيل تسلكونها وقد سدّت عليكم السبل ، وأحاط بكم الحق من جميع جوانبكم ، وبطلت مفتريانكم ، فلم يبق لكم سبيل تستطيعون الهرب منها.
ثم بيّن حقيقة القرآن فقال :
(إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) أي وما هذا القرآن إلا عظة للخلق كافة يتذكرون بها ما غرز فى طباعهم من حب الخير ، وإنما أنساهم ذكره ما طرأ عليهم بمقتضى الإلف والعادة من ملكات السوء التي تحدثها أمراض البيئة والمجتمع ، والقدوة السيئة.
ثم بيّن أنه لا ينتفع بهذه النظم كل العالمين فقال :
(لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) أي إنه ذكر يتذكر به من وجّه إرادته للاستقامة على جادّة الحق والصواب ؛ أما من انحرف عن ذلك فلا يؤثر فيه هذا الذكر ولا يخرجه من غفلته.
والخلاصة ـ إن على مشيئة المكلف تتوقف الهداية ، وقد فرض عليه أن يوجه فكره نحو الحق ويطلبه ، ويجدّ فى كسب الخير ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
ثم دفع توهم أن إرادة الإنسان مستقلة فى فعل ما يريد ، وله الاختيار التام فيما يفعل ، وهو منقطع العلاقة فى إرادته من سلطان ربه فقال :
(وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) أي إن إرادتكم الخير لا تحصل لديكم إلا بعد أن يخلقها الله فيكم بقدرته ، الموافقة لإرادته ، فهو الذي يودع فيكم