(وَالْأَرْضِ وَما طَحاها) أي والأرض والذي بسطها ومهدها للسكنى ، وجعل الناس ينتفعون بما على ظهرها من نبات وحيوان ، وبما فى باطنها من مختلف المعادن.
ونحو الآية قوله : «الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً».
وقصارى ما سلف ـ إنه بعد أن أقسم سبحانه بالضياء والظلمة ، أقسم بالسماء وما فيها من الكواكب ، وبالذي بناها وجعلها مصدرا للضياء ، وبالأرض والذي جعلها لنا فراشا ومصدرا للظلمة ، فإنها هى التي يحجب بعض أجزائها ضوء الشمس عن بعضها الآخر فيظهر فيه الظلام.
ثم أقسم بعد هذا بالنفس الإنسانية لما لها من شرف فى هذا الوجود فقال :
(وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها) أي قسما بالنفس ومن سواها وركب فيها قواها الباطنة والظاهرة ، وحدد لكل منها وظيفة تؤديها ، وألف لها الجسم الذي تستخدمه من أعضاء قابلة لاستعمال تلك القوى.
ثم بين أثر هذه التسوية فقال :
(فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) أي فألهم كل نفس الفجور والتقوى وعرفها حالهما ، بحيث تميز الرشد من الغىّ ، ويتبين لها الهدى من الضلال ، وجعل ذلك معروفا لأولى البصائر.
وبعد أن ذكر أنه ألهم النفوس معرفة الخير والشر ذكر ما تلقاه جزاء على كل منهما فقال :
(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) أي قد ربح وفاز من زكى نفسه ونمّاها حتى بلغت غاية ما هى مستعدة له من الكمال العقلي والعملي ، حتى تثمر بذلك الثمر الطيب لها ولمن حولها.
(وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) أي وخسر نفسه وأوقعها فى التهلكة من نقصها حقها بفعل المعاصي ومجانبة البر والقربات ، فإن من سلك سبيل الشر ، وطاوع داعى