وأعظم دليل على عدم المبالاة هو الإصرار على الجرائم ، والمداومة على اقتراف السيئات.
ثم بين أوصاف من يكذب بهذا اليوم فقال :
(وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) أي وما يكذب بهذا اليوم إلا من اعتدى على الحق ، وعمى عن الإنصاف ، واعتاد ارتكاب الجرائم ، إذ يصعب عليه الإذعان بأخبار الآخرة ، لأنه يأبى النظر فى أدلتها ، وتدبر البينات المرشدة إلى صدقها ، إلى أنه يعلل نفسه بالإنكار ، ويهوّن عليها الأمر بالتغافل ، أو التعلق بالأمانى من نصرة الأولياء ، أو توسط الشفعاء.
أما من كان ميالا إلى العدل ، واقفا عند ما حدّ الله لعباده فى شرائعه وسننه فى نظام الكون. فأيسر شىء التصديق باليوم الآخر ، وهو أعون له على ما تميل إليه نفسه.
(إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي وإذا قرئ عليه القرآن أنكر كونه منزلا من عند الله ، وزعم أنه أخبار الأولين ، أخذها محمد من غيره من السابقين.
ونحو الآية قوله : «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً. وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً. قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً».
وقد يكون المعنى ـ إنها أباطيل ألقيت على آبائهم الأولين فكذبوها ولم تجز عليهم ، فلسنا أول من يكذب بها حتى تزعمون أن تكذيبنا بها يعتبر عجلة منا ، فإنا إنما تأسّينا فى تكذيبنا بها بآبائنا الأولين الذين سبقونا.