وفى صحيح مسلم عن مطرّف عن أبيه قال : «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ : ألهاكم التكاثر قال : يقول ابن آدم مالى ومالك ، يا ابن آدم ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدّقت فأمضيت ، وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس» وروى عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لو أن لابن آدم واديا من ذهب أحب أن يكون له واديان : ولن يملأ فاه إلا التراب ويتوب الله على من تاب».
قال الأستاذ الإمام : وقد يكون معنى التكاثر التغالب فى الكثرة ، أي طلب كل واحد منهما أن يكون أكثر من الآخر مالا أو جاها ، والسعى إلى ذلك لمجرد المغالبة ، لا يبغي الساعي فى سعيه إلا أن يكون ماله أكثر من مال الآخر ، أو أن يكون عضده أقوى من عضده ، لينال بذلك لذة التعلى والظهور بالقوة كما هو شأن الجمهور الغالب من طلاب الثروة والقوة ، ولا ينظر الدائب منهم فى عمله إلى تلك الغاية الرفيعة غاية البذل مما يكسب فى سبل الخير ، أو النهوض بالقوة إلى نصر الحق ، وحمل المبطلين على معرفته والتوجه إليه ، ثم المحافظة بعد ذلك عليه.
وهذا معنى معقول ذهب إليه بعض المفسرين ، وهو يتفق كل الاتفاق مع ما يفهم من لفظ (أَلْهاكُمُ) فإن الذي يلهى الناس عن الحق فى كل حال ، ويصرف وجوههم عنه إلى الباطل : هو طمع كل واحد منهم أن يكون أكثر من الآخر مالا أو عدد رجال ، ليعلو عليه ، أو ليستخدمه لسلطانه ، بقدر ما يدخل فى إمكانه ، أما التفاخر بالأقوال فإنما يلهيهم فى بعض الأحوال ا ه.
(حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) أي حتى هلكتم وصرتم من الموتى ، فأضعتم أعماركم فيما لا يجدى فائدة ، ولا يعود عليكم بمائدة ، فى حياتكم الباقية الخالدة.
قال العلماء : إن زيارة القبور من أعظم الدواء للقلب القاسي ، لأنها تذكر بالموت والآخرة ، وذلك يحمل على قصر الأمل والزهد فى الدنيا وترك الرغبة فيها ،