والحق : هو ما تقرر من حقيقة ثابتة أرشد إليها دليل قاطع ، أو عيان ومشاهدة ، أو شريعة صحيحة جاء بها نبى معصوم ، والصبر : قوة للنفس تدعوها إلى احتمال المشقة فى العمل الطيب ، وتهوّن عليها احتمال المكروه فى سبيل الوصول إلى الأغراض الشريفة.
والتواصي بالحق : أن يوصى بعضهم بما لا سبيل إلى إنكاره وهو كل فضيلة وخير ، والتواصي بالصبر : أن يوصى بعضهم بعضا به ويحثه عليه ، ولا يكون ذلك نافعا مقبولا إلا إذا كمّل المرء نفسه به وإلا صدق عليه قول أبى الأسود الدؤلي :
يا أيها الرجل المعلم غيره |
|
هلا لنفسك كان ذا التعليم |
تصف الدواء لذى السّقام وذى الضنى |
|
كيما يصح به وأنت سقيم |
الإيضاح
(وَالْعَصْرِ) أقسم ربنا سبحانه بالدهر لما فيه من أحداث وعبر يستدل به على قدرته وبالغ حكمته وواسع علمه ، انظر إلى ما فيه من تعاقب الليل والنهار وهما آيتان من آيات الله كما قال : «وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ» وإلى ما فيه : من سراء وضراء ، وصحة وسقم ، وغنى وفقر ، وراحة وتعب ، وحزن وفرح ، إلى نحو ذلك مما يسترشد به حصيف الرأى إلى أن للكون خالقا ومدبرا ، وهو الذي ينبغى أن يوجه إليه بالعبادة ويدعى لكشف الضر وجلب الخير ـ إلى أن الكفار كانوا يضيفون أحداث السوء إلى الدهر ، فيقولون هذه نائبة من نوائب الدهر ، وهذا زمان بلاء ، فأرشدهم سبحانه إلى أن الدهر خلق من خلقه ، وأنه ظرف تقع فيه الحوادث خيرها وشرّها ، فإن وقعت للمرء مصيبة فبما كسبت يداه ، وليس للدهر فيها من سبب.
(إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) أي إن هذا الجنس من المخلوقات ـ لخاسر فى أعماله ضربا من الخسران إلا من استثناهم الله ، فأعمال الإنسان هى مصدر شقائه ، لا الزمان