والخلاصة ـ إن إيتاء الكتاب باليمين ، أو باليسار أو من وراء الظهر تصوير لحال المطلع على أعماله فى ذلك اليوم ، فمن الناس من إذا كشف له عمله ابتهج واستبشر وتناول كتابه بيمينه ، ومنهم من إذا تكشفت له سوابق أعماله عبس وبسر وأعرض عنها وأدبر ، وتمنى لو لم تكشف له ، وتناولها باليسار أو من وراء الظهر ، وحينئذ يدعو وا ثبوراه ، أي يا هلاك أقبل فإنى لا أريد أن أبقى حيا ، علما منه بأن ذلك داع إلى طول العذاب ، وأنه سيدخل النار ويقاسى سعيرها.
ثم ذكر سبحانه سببين فى استحقاقه للعذاب فى الآخرة فقال :
(١) (إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً) أي لأنه كان فى حياته الدنيا فرحا بطرا لا يفكر فى أمور الآخرة ، ويقدم على المعاصي ظنا منه أن لذاتها لا توجب الحسرة ، ولا تورث التردي فى نار الجحيم ، ومن ثم أبدله الله بهذا النعيم الزائل عذابا لا ينقطع ، وآلاما لا تنفد.
(٢) (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) أي إنه ظن أن لن يرجع إلى ربه ، وأنه لن يبعث الخلق لحسابهم على ما قدموا ، ولو علم أن الله سيبدل سروره هما ، وفرحه حزنا وغما ـ لأقلع عما هو فيه ، ولترك هذا السرور العاجل السريع الفناء وطلب من السرور ما يبقى ما بقيت الجنة التي لا يفنى نعيمها ولا يزول سرور أهلها.
وفى الآية إيماء إلى أن المسخرين لشهواتهم ، الساعين وراء لذاتهم ليسوا بظانين فضلا عن أن يكونوا مستيقنين بأنهم يرجعون إلى ربهم ليحاسبهم ، بل الراجح عندهم أنهم لا يحاسبون ، وأن الله مخلف وعده ، وهذا هو الذي ينسيهم ذكره عند كل جرم يجرمونه ، فهم وإن كانوا يزعمون الإيمان بالله وبوعده ووعيده ، فهم يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم.
ثم رد عليه ظنه الخاطئ فقال :
(بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً) أي بلى ليحورنّ وليرجعنّ إلى ربه ، وليحاسبنه على عمله ، فيجزى على الخير خيرا وعلى الشر شرا ، فإن الذي يخلق الإنسان مستعدّا