يفكر فى دين اليهودية ، ثم يرى اليهود أنفسهم ليسوا على حال خير من حال قومه ، إذ بدلوا دينهم ، وخالفوا ما كان عليه رسولهم ، فيبدو عليه الإعراض عنه ، ثم يفكر فى دين عيسى عليه الصلاة والسلام ، فيرى النصارى على حال شر من حال اليهود ، فيرجع عن التفكير فيه ، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب ، ولا يعرف ما حوته تلك الأديان من الأحكام والشرائع.
وأعظم أنواع حيرته ما كان يراه فى العرب أنفسهم من سخف فى العقائد ، وضعف فى البصائر ، باستيلاء الأوهام عليهم وفساد أعمالهم ، وشؤمها فى أحوالهم ، بتفرق الكلمة ، وتفانيهم فى سفك الدماء ، والإشراف على الهلاك باستبعاد الغرباء لهم وتحكمهم فيهم ؛ فالحبشة والفرس من جانب ، والرومان من جانب آخر.
فما العمل فى تقويم عقائدهم ، وتخليصهم من تحكم العادات فيهم؟ وأىّ الطرق ينبغى أن يسلك فى إيقاظهم من سباتهم؟
وقصارى ذلك ، إنه كان فى قرارة نفسه يعتقد أن قومه قد ضلوا سواء السبيل ، وبدلوا دين أبيهم إبراهيم ، وكانت حال أهل الأديان الأخرى ليسنت خيرا من حالهم لكن الإله الحكيم لم يتركه ونفسه ، بل أنزل عليه الوحى ببين له أوضح السبل كما قال : «وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ».
(وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) أي إنك كنت فقيرا لم يترك لك والدك من الميراث إلا ناقة وجارية ، فأغناك بما أجراه لك من الريح فى التجارة ، وبما وهبته لك خديجة من مالها.
وخلاصة ما تقدم ـ إن من آواك فى يتمك ، وهداك من ضلالك ، وأغناك من فقرك ، لا يتركك فى مستقبل أمرك.
وبعد أن بين نعمه السابقة طالبه بشكر هذه النعم وأداء حقها فقال :