ثم نهاه عن أمرين : قهر اليتيم وزجر السائل ، لما لهما من أكبر الأثر فى التعاطف والتعاون فى المجتمع ، ولما فيهما من الشفقة بالضعفاء وذوى الحاجة ، ثم أمره بشكره على نعمه المتظاهرة عليه باستعمال كل منها فى موضعها وأداء حقها.
الإيضاح
(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) أي ألم تكن يتيما لا أب لك يعنى بتربيتك ، ويقوم بشئونك ، ويهتم بتنشئتك ؛ فما زال يحميك ويتعهدك برعايته ، ويجنبك أدناس الجاهلية وأوضارها حتى رقيت إلى ذروة الكمال الإنسانى.
وقد عاش النبي صلى الله عليه وسلم يتيما ، إذ توفى أبوه وهو فى بطن أمه ، فلما ولد عطف الله عليه قلب جده عبد المطلب ، فما زال يكفله خير كفالة حتى توفى والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ فى سن الثامنة ، فكفله عمه أبو طالب بوصية من عبد المطلب ، فكان به حفيّا ، شديد العناية بأمره ، وما زال يتعهده حتى كبر وترعرع ، حتى أرسله الله رسولا ، فقام يؤازره وينصره ، ويدفع عنه أذى قريش حتى مات ، فاستطاعت قريش أن تنال منه ، وتجرّأ عليه سفهاؤهم ، وسلطوا عليه غلمانهم ، حتى اضطروه إلى الهجرة.
ولو تدبر المنصف فى رعاية الله له ، وحياطته بحفظه وحسن تنشئته ، لوجد من ذلك العجب ، فلقد كان اليتيم وحده مدعاة إلى المضيعة وفساد الخلق ، لقلة من يحفل باليتيم ويحرص عليه ، وكان فى خلق أهل مكة وعاداتهم ما فيه الكفاية فى إضلاله لو أنه سار سيرتهم ، لكن عناية الله كانت ترعاه ، وتمنعه السير على نهجهم ، فكان الوفىّ الذي لا يمين ، والأمين الذي لا يخون ، والصّادق الذي لا يكذب ، والطاهر الذي لم يدنّس برجس الجاهلية.
(وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) أي ووجدك حائرا مضطربا فى أمرك ، مع اعتقادك أن قومك ليسوا على بصيرة من أمرهم ، فعبادتهم باطلة ، ومعتقداتهم فاسدة ، وكان