وبينا لهم العقائد تعليما وإرشادا ، ثم هو بعد ذلك يختار أحد السبيلين : سبيل الخير والفلاح ، والسبيل المعوجّ فيتردّى فى الهاوية.
وقصارى ذلك ـ إن الإنسان خلق نوعا ممتازا عن سائر الحيوان بما أوتيه من العقل ، وبما وضع له من الشرائع التي تهديه إلى سبيل الرشاد.
ثم زاد الأمر توكيدا فأبان عظيم قدرته فقال :
(وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى) أي وإنا لنحن المالكون لكل ما فى الدنيا وكل ما فى الآخرة ، فنهب ما نشاء لمن نريد ، ولا يضيرنا أن يترك بعض عبادنا الاعتداء بهدينا الذي بيّناه لهم ، ولا يزيد فى ملكنا اهتداء من اهتدى منهم ، لأن نفع ذلك وضره عائد إليهم ، فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ، ومن ضل فإنما يضل عليها ، وما ربك بظلام للعبيد.
وإذا كان ملك الحياتين لله كان هديه هو الذي يجب اتباعه فيهما ، لأن المالك لأمر عالم بوجوه التصرف فيه.
ثم بين سبيل الهداية الذي أوجبه على نفسه فقال :
(فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى. لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى. الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) أي لرحمتنا بكم وعلمنا الكامل بمصالحكم أسدينا إليكم الهدى ، فأنذرناكم نارا تلتهب يعذب فيها من كذب الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به عن ربه من الآيات ، وأعرض عن اتباع شرائعه ، وانصرف عن وجهة الحق ولم يعد إليها تائبا نادما.
(وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) أي وسيبعد عنها المبالغ فى اتقاء الكفر والمعاصي ، الشديد التحرز منهما بحيث لا يخطرهما له ببال.
ثم وصف الأتقى بأفضل مزاياه فقال :
(الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى) أي إن الأتقى هو الذي ينفق أمواله فى وجوه البر ، طالبا بذلك طهارة نفسه وقربها من ربه ، لا مريدا بذلك رياء ولا سمعة ولا طالبا مديح الناس له ، فإن ذلك ضرب من النفاق الذي يبطل معه العمل ، ولا يكون