وبعد أن عدّد وجوه إحسانه ، ودلائل قدرته على إرساله رسوله ، وذكر أن يوم الفصل بين الرسول ومعانديه سيكون يوم القيامة ، وبيّن أهوال هذا اليوم ، وامتياز شئونه وأحواله عن شئون أيام الدنيا وأحوالها ـ ذكر وعيد المكذبين وبيان ما يلاقونه فقال :
(إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً) أي إن دار العذاب وهى جهنم مكان يرتقب فيه خزنتها من يستحقها بسوء أعماله ، وخبث عقيدته وفعاله.
وروى ابن جرير وابن المنذر عن الحسن أنه قال : لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز النار ، فإن كان معه جواز نجا ، وإلا احتبس.
(لِلطَّاغِينَ مَآباً) أي إنها مرجع للذين طغوا وتكبروا ولم يستمعوا إلى الداعي الذي جاءهم بالهدى ونور الحق.
وبعد أن ذكر أن جهنم مستقرهم بيّن مدة ذلك فقال :
(لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) أي إنهم سيمكثون فيها دهورا متلاحقة يتبع بعضها بعضا فكلما انقضى زمن تجدد لهم زمن آخر كما قال : «يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ».
ثم بين أحوالهم فيها فقال :
(لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً. إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً) أي لا يذقون فى جهنم بردا يبرد حر السعير عنهم إلا الغساق ، ولا شرابا يرويهم من شدة العطش إلا الحميم ، فهم لا يذوقون مع شدة الحرما يكون فيه راحة من ريح باردة ، أو ظل يمنع من نار ، ولا يجدون شرابا فيسكن عطشهم ، ويزيل الحرقة من بواطنهم ، ولكن يجدون الماء الحار المغلى ، وما يسيل من جلودهم من الصديد والقيح والعرق ، وسائر الرطوبات المستقذرة.
والخلاصة ـ إنهم لا يذوقون فيها شرابا إلا الحميم البالغ الغاية فى السخونة ، أو الصديد المنتن ، ولا بردا إلا الماء الحار المغلى.