فإن هذه الآية تدل على أن خلق السموات كان بعد خلق الأرض ، والآية التي نحن بصددها تشير إلى أن الله تعالى دحا الأرض ومهدها لسكنى الناس بعد أن خلق السماء.
فالآيتان ترشدان إلى أن الله تعالى خلق الأرض أوّلا ثم خلق السموات بعد ذلك ، ثم عاد إلى الأرض فمهدها ودحاها ، فآية السجدة حكاية للخلق الأول ومبدئه وهذه الآية حكاية للإصلاح الذي كان بعد الخلق.
ثم فسر التمهيد بما لا بد منه فى تأتى سكناها من أمر المآكل والمشارب وإمكان القرار عليها فقال :
(أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها) أي فجّر منها العيون والينابيع والأنهار ، وأنبت فيها النبات سواء أكان قوتا لبنى آدم كالحب والثمر ، أم قوتا للأنعام والماشية كالعشب والحشيش.
(وَالْجِبالَ أَرْساها) أي وثبت الجبال فى أماكنها وجعلها كالأوتاد ، لئلا تميد بأهلها وتضطرب بهم.
ثم بين الحكمة فى ذلك فقال :
(مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) أي إنما جعلنا ذلك كله ، ليتمتع به الناس والأنعام من الإبل والغنم والبقر.
ونحو الآية قوله : «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ».
أفلا يكون خالقكم وواهبكم ما به تحيون ، ورافع السماء فوقكم ، وممهد الأرض تحتكم ـ قادر على بعثكم؟ وهل يليق به أن يترككم سدى بعد أن دبر أمركم هذا التدبير المحكم ، ووفّر لكم هذا الخير الكثير.