والأرض ، حتى يحتكم إليه أعرابيان في بئر ، فيقول أحدهما أنا فطرتها ، أي بدأت حفرها (١) ، بل ويروى عنه كذلك أنه قال : ما كنت أدري معنى قوله تعالى (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ» (٢) حتى سمعت بنت ذي يزن ، تقول لزوجها : تعال أفاتحك : أي أحاكمك (٣) ـ إذا كان هذا شأن الفاروق وابن عباس ، فحريّ بالعامة من العرب ـ ومن باب أولي حريّ بنا ، وفينا العجمة التي غلبت في كل مكان ـ ألا يفهموا جميعا لغة القرآن ؛ لأنهم لم يكونوا جميعا على مستوى واحد في فهم اللغة العربية (٤) فضلا عن أن هناك إشارات كثيرة في القرآن الكريم إلى أشياء في التوراة والانجيل ، والرد عليها ، وهي أمور لا يكفي في فهمها معرفة اللغة العربية (٥).
إلا أن هذا لا يمنعنا من القول ، بأن الصحابة على العموم كانوا أقدر الناس على فهم القرآن ، لأنه نزل بلغتهم ، ولأنهم شاهدوا الظروف التي نزل فيها القرآن ، ومع ذلك فقد اختلفوا في الفهم حسب اختلافهم في أدوات الفهم ، وذلك لأسباب منها (أولا) أنهم كانوا يعرفون العربية على تفاوت فيما بينهم ، وان كانت العربية لغتهم ومنها (ثانيا) ان منهم من كان يلازم النبي صلىاللهعليهوسلم ، ويقيم بجانبه ، ويشاهد الأسباب التي دعت إلى نزول الآية ، ومنهم من ليس كذلك ، ومنها (ثالثا) اختلافهم في معرفة عادات العرب في أقوالهم وأفعالهم ، فمن عرف عادات العرب في الحج في
__________________
(١) تفسير القرطبي ١ / ٤٤ ، التفسير والمفسرون ١ / ٣٥ ، أمين مدني : التاريخ العربي ومصادره ص ٤٧ ـ ٤٨
(٢) سورة الاعراف : آية ٨٩
(٣) تفسير القرطبي ١ / ٤٤
(٤) محمد أبو زهرة : القرآن ص ٥٨٤
(٥) احمد أمين : فجر الاسلام ص ١٩٦.