غلبت عليهم البداوة والأمية ، وإذا ما تشوقوا إلى معرفة شيء مما تشوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكنونات وبدء الخليقة وأسرار الوجود ، فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ، ويستفيدون منهم (١) ، لأنهم ـ كما يقول ابن إسحاق ـ أهل العلم الأول (٢) ، وكانت التوراة ـ والتلمود ـ من بعدها ـ تشتمل على كثير مما يشتمل عليه القرآن الكريم من وقائع وأحداث تتصل بالمصطفين والأخيار ، من أنبياء الله الكرام ، ولكن بإسهاب وتفصيل ، قد يغري ، في كثير من الاحايين ، عواطف العامة ، اكثر مما يرضي عقول العلماء.
ومنها (سادسا) أن العرب لم يكونوا يعرفون العبرية ـ لغة التوراة ـ وكان أحبار يهود ـ كما يروي عن أبي هريرة ـ يقرءون التوراة بالعبرية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام (٣) ، ومن ثم فلم تكن هناك من وسيلة أمام المسلمين للتأكد من صدق يهود ، فضلا عن أنهم كانوا أقل منهم دهاء ومكرا ، ومن ثم فقد راجت بينهم سوق أكاذيب ما يسمونهم أهل العلم الأول ، وتساهل المفسرون وملئوا كتب التفسير بهذه المنقولات ، والتي كانت إما من التوراة ، أو مما يفتري أحبار التوراة ، ولهذا حذر «النظام» من بعض المفسرين ، فإن بعضا منهم ـ وبخاصة عكرمة والكلبي والسدي والضحاك ومقاتل وابو بكر الأصم ـ يقول بغير رواية إلى غير أساس ، وكلما كان المفسر أغرب عند العامة كان أحب اليهم (٤).
ومنها (سابعا) ما يرويه «ابن النديم» من أن «أحمد بن عبد الله بن
__________________
(١) مقدمة ابن خلدون ص ٤٣٩ ـ ٤٤٠ ، وانظر : تفسير الطبري ٦ / ٩ ، ١٠ ، ١٧ / ١٠ ، ٢٧ / ٣١ ، تفسير ابن كثير ابن كثير ٣ / ١٠٢
(٢) معجم الأدباء ١٨ / ٨
(٣) صحيح البخاري ٢ / ٢٨٥
(٤) الحيوان للجاحظ ١ / ٣٤٣ ـ ٣٤٦