«الفهرست» وفي «الطبقات» ليؤكد لنا أن حرص المسلمين على حرفية ما ينقلونه من الأسفار إلى اللغة العربية ، ليس بأقل من حرصهم على ما يرويه الأحبار ونقله حرفيا ، وهذا ما جعل القصص اليهودي ينتشر كما هو بين العامة ، ويصدقه ضعاف المؤرخين (١) ، بل لقد بلغ الأمر بالبعض ـ ومنهم كعب الأحبار ووهب بن منبه ـ إلى أن ينسب إلى التوراة ، وغيرها من كتب الرسل ، ما ليس فيها شيء منه ، ولا حومت حوله (٢).
ومنها (تاسعا) ما يروي من أن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قد أصاب يوم اليرموك (١٥ ه ـ ٦٣٦ م) (٣) ، زاملتين من أهل الكتاب ، فكان يحدث منهما ، بعد ذلك ، بقدر ما فهمه من حديث «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» (٤) ، ولعل هذا كله هو الذي دفع الإمام أحمد بن
__________________
(١) أمين مدني : المرجع السابق ص ٩٠
(٢) تفسير المنار ١ / ٩
(٣) انظر عن معركة اليرموك : ابن الاثير ٢ / ٤١٠ ـ ٤١٥ وكذا تاريخ الطبري ٣ / ٣٩٤ ـ ٤١٤ ، فتوح البلدان ص ١٣٧ ، فتوح الشام ٢ / ١٢٠ ـ ١٢٤ ، ٢٣٧ ـ ٢٣٩ ، العقاد : معاوية في الميزان ص ٤١ ، عبد المنعم ماجد : المرجع السابق ص ١٨٤ ـ ١٨٨.
(٤) فتاوى ابن تيمية ١٣ / ٣٦٦ ، وانظر عن الحديث الشريف : صحيح البخارى ٦ / ٣١٩ ـ ٣٢٠ ، هذا وهناك ما يشير إلى النهي عن الأخذ عن بني إسرائيل (أنظر : صحيح البخاري ٣ / ١٨١ ، ٨ / ١٢٠ ، مسند الإمام احمد ٣ / ٣٨٧ ، فتح الباري ١٣ / ٢٥٩ ، ٤٠٤ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٦ ـ ٨ ، البداية والنهاية ١ / ١٩٨ ، محمد السيد الذهبي : المرجع السابق ص ٦٨ ـ ٧١) ، ويروي ابن حجر أن النهي كان قبل استقرار الأحكام الإسلامية ، والقواعد الدينية خشية الفتنة ، فلما زال المحظور وقع الإذن في ذلك لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار (فتح الباري ٦ / ٣٨٨) ، فضلا عن الاحتياج الى الرد على المخالف ، بدليل نقل الأئمّة قديما وحديثا من التوراة ، وإلزام اليهود بالتصديق لمحمد صلىاللهعليهوسلم بما يستخرجونه من كتابهم (فتح الباري ١٧ / ٣٠٩ ، وانظر وجهات نظر أخرى في : مقدمة من أصول التفسير ص ١٧ ـ ٢٠ ، ٤٥ ـ ٤٦ ، عمدة التفسير ، تعليق احمد شاكر ١ / ١٥ ، تفسير ابن كثير ١ / ٤ ، محاسن التأويل للقاسمي ١ / ٤٤ ـ ٤٥ ، البداية والنهاية ١ / ٦ ـ ٧ ، تفسير البقاعي ص ٨٩ ـ ٩٠ ، محمد السيد الذهبي ص ٧١ ـ ٩٠).