عن الغرض ، وأيسر ما فيها أنها تدفع الغرابة عن رحلة إبراهيم إلى الحجاز ، وإنها هي وحدها تحقق له صفة العمل على الدعوة الدينية ، وقد جاء الإسلام مثبتا رحلة إبراهيم إلى الحجاز ، وأثبتها ولا شك بعد أن ثبتت مع الزمن المتطاول ، لأن انتساب أناس من العرب إلى إبراهيم قد سبق فيه التاريخ كل اختراع مفروض ، ولو تمهل به التاريخ المتواتر حتى يجوز الاختراع فيه ، لأنكرت إسرائيل انتساب العرب إلى إبراهيم ، وأنكر العرب أنهم أبناء إبراهيم من جارية مطرودة ، وليس هذا غاية ما يدعيه المنتسب عند الاختراع (١).
ومع ذلك ، فهناك اتجاه آخر ، إنما ينسب انتساب العرب إلى إبراهيم ، لا إلى اليهود ، وإنما إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقد جاء في دائرة المعارف الاسلامية ـ نقلا عن فنسنك ـ أن «شبر نجر» كان أول من لاحظ أن شخصية إبراهيم ـ كما في القرآن الكريم ـ قد مرت بأطوار قبل أن تصبح في نهاية الأمر مؤسسة للكعبة ، ثم جاء «هرجروني» وزعم أن إبراهيم في أقدم ما نزل من الوحي هو رسول من الله أنذر قومه كما تنذر الرسل (٢) ، ولم يذكر لإسماعيل صلة به ، كما لم يذكر قط أن إبراهيم هو واضع البيت ، ولا أنه أول المسلمين ، أما السور المدنية فالأمر فيها على غير ذلك ، فإبراهيم يدعى حنيفا مسلما ، وهو واضع ملة إبراهيم ، وقد رفع مع إسماعيل قواعد البيت المحرم (الكعبة).
وأما سر هذا ـ في زعم هؤلاء المستشرقين ـ فهو أن محمدا ـ صلوات
__________________
(١) عباس العقاد : إبراهيم أبو الانبياء ص ١٩٦ ، مع ملاحظة أننا لا نوافق على أن هاجر جارية انظر كتابنا اسرائيل ص ٢١٠ ـ ٢١٣
(٢) يشير «هرجوني» هنا إلى الآيات الكريمة (الذاريات : آية ٢٤ ـ ٣٧ ، الحجر : آية ٥١ ـ ٥٩ ، سورة الصافات : آية ٨٣ ـ ١١٣ ، سورة الأنعام : آية ٧٤ ـ ٨٣ ، سورة هود : آية ٦٩ ـ ٧٦ سورة مريم : آية ٤١ ـ ٥٠ ، سورة الأنبياء : آية ٥١ ـ ٧٣ ، سورة العنكبوت : آية ١٦ ـ ٢٧) وهي آيات مكية تحدثت عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام.