الله وسلامه عليه ـ كان قد اعتمد على اليهود في مكة ، فما لبثوا أن اتخذوا حياله خطة عداء ، فلم يكن له بد من أن يلتمس غيرهم ناصرا ، هناك هداه ذكاء مسدد إلى شأن جديد لأبي العرب إبراهيم ، وبذا استطاع أن يخلص من يهودية عصره ، ليصل حبله بيهودية إبراهيم التي كانت ممهدة للإسلام ، ولما أخذت مكة تشغل جلّ تفكير الرسول ، أصبح إبراهيم أيضا المشيد لبيت هذه المدينة المقدس ، رغم أنه لا يوجد أي دليل تاريخي على أن إبراهيم وإسماعيل كانا أبدا بمكة (١).
هذه هي وجهة النظر الكذوب التي يقدمها المستشرقون من أعداء الإسلام ، وكان من الممكن أن نكتفي بما سبق أن ذكرنا من قبل ، إذ نسب الفكرة آخرون إلى اليهود ، وليس إلى رسول الله ، غير أننا سوف نقدم أدلة جديدة ضد هذا الإتجاه ؛ منها (أولا) أن القرآن الكريم لم يقل أبدا أن اليهود كانوا من مؤيدي الإسلام ، بل إنه لينص صراحة أنهم أشد أعدائه ، يقول سبحانه وتعالى (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ، وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ، ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ» (٢).
ومنها (ثانيا) روايات التوراة التي نصت على أن إسماعيل وإسحاق أخوان من أب واحد ، وإن اختلفت الأمهات ، فاسماعيل من هاجر ،
__________________
(١) T. Andrae, Mahomet, Sa Vie et Sa Doctrine, Paris, ٥٤٩١, P. P. ٧٣١ ـ ٩, Pere Lam - mens, L\'Islam, Croyance et Insititutions, ٦٢٩١. P. P. ٨٢, ٣٣. Alfred Guillaume, Islam, P. P. ١٦ ـ ٢
وأنظر : ج. ديمومبين : النظم الاسلامية ، ترجمة الشماع والسامر ، بغداد ١٩٥٢ ص ٦٦ ـ ٦٨ ، وكذا طه حسين : في الأدب الجاهلي ص ٢٦ ، ٢٩ ، مدخل إلى القرآن الكريم ص ١٥٥ ـ ١٥٦ ، دائرة المعارف الاسلامية ١ / ١٤٦
(٢) سورة المائدة : آية ٨٢ وانظر : تفسير الطبرسي ٦ / ١٧١ ـ ١٧٦ ، الجواهر في تفسير القرآن الكريم ٣ / ٢٠٢ ، تفسير الكشاف ١ / ٦٦٨ ـ ٦٦٩ ، تفسير الطبري ١٠ / ٤٩٨ ـ ٥٠٦ ، تفسير النسفي ٢ / ٣ ـ ٤ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٦٢٣ ، في ظلال القرآن ٧ / ٩٥٩ ـ ٩٦٦