خلاصتها أن فتية من قريش خرجوا تجارا إلى الحبشة ، وهناك وعلى ساحل البحر الأحمر ، وبجوار بيعة للنصارى ، أوقدوا نارا لطعامهم ، ثم تركوها بعد حين ، إلا ان ريحا عاصفة هبت على النار فأشعلتها ، وأحرقت البيعة فغضب النجاشي لذلك أشد الغضب ، واتفق أن أتاه أبرهة ـ ومعه حجر بن شرحبيل وأبو يكسوم الكنديين ـ وضمنوا له إحراق الكعبة ، ومن ثم فقد كانت الحملة إلى مكة (١).
وتذهب رواية رابعة إلى أن أبرهة قد توّج «محمد بن خزاعي بن خرابة الذكواني» على «مضر» ، وأمره أن يسير في الناس يدعوهم إلى حج القليس ، فذهب محمد هذا حتى إذا ما نزل ببعض أرض بني كنانة ـ وكان قد بلغ أهل تهامه أمره ـ بعثوا له برجل من هذيل ، يقال له عروة بن حياض ، فرماه بسهم وقتله ، فهرب أخوه «قيس» الذي كان بصحبته إلى أبرهة فأعلمه الخبر ، فحلف أبرهة ليغزون بني كنانة وليهدمن البيت (٢).
هذه هي الأسباب التي رأى المؤرخون المسلمون ، وكذا المفسرون ، إنها كانت من وراء حملة أبرهة على البيت الحرام (٣) ، ولست أظن أن واحدا منها بكاف وحده لتبرير هذه الحملة التي أراد أصحابها القضاء على أقدس مقدسات العرب ، وإن كانت الرواية الرابعة ، تحمل ـ فيما أظن ـ بعضا من صواب ، فقصة تدنيس القليس على يد رجل من النسأة ، ـ وهم الذين كانوا يؤخرون المحرم إلى صفر لشن الغارات وطلب الثارات ـ قد
__________________
(١) تفسير القرطبي ص ٧٢٨٢ ـ ٧٢٨٣ (طبعة الشعب) ، تفسير الطبري ٣٠ / ٣٠٠ ، أعلام النبوة ص ١٤٩ ، قارن : تفسير ابن كثير ٨ / ٥٠٤ (طبعة الشعب)
(٢) تاريخ الطبري ٢ / ١٣١ ، تفسير الطبري ٣٠ / ٣٠٠
(٣) تاريخ الطبري ٢ / ١٣٠ ـ ١٣٩ ، تاريخ الخميس ص ٢١٢ ـ ٢١٧ ، نهاية الأرب ١ / ٢٥١ ـ ٢٦٤ ، سيد قطب : في ظلال القرآن ، بيروت ١٩٦٧ ، الجزء الثامن ص ٦٦٤ ـ ٦٦٥ ، تفسير القرطبي ص ٧٢٧٧ ـ ٧٢٩٠ (طبعة الشعب) ، تفسير ابن كثير ٨ / ٥٠٣ ـ ٥١١ (طبعة الشعب)