كذلك إلى أن نوحا إنما قدم الأضاحي للرب بعد نجاته ، وأن الرب ما لبث أن شمّ رائحة الشواء ، فسكن غضبه ، وتنسم رائحة الرضا (١) ، ويرد القرآن الكريم على فحش يهود هذا ، بقوله تعالى (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها ، وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ» (٢) ، ويقول تعالى (فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ) (٣) ، وما أصدق القرآن الكريم حيث يختم هذه القصة بقوله تعالى (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا ، فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) (٤).
وفي قصة أبي الأنبياء ، إبراهيم الخليل ـ عليه الصلاة والسلام ـ قد تفرد القرآن الكريم ـ دون غيره من الكتب المقدسة ـ بأن يقدم لنا الخليل ـ عليهالسلام ـ في صورة المجاهد بنفسه وولده وماله لله ، والذي حطم الأصنام ، وتحدى الجبابرة الطغام ، وألقى من أجل دعوته في النار ، فأنجاه الله في كفاح طويل وجهاد موصول ، كان للناس إماما ، وعلى مدارجه أو من نسله درج الأنبياء (٥) ، ومن أسف أن إبراهيم العظيم هذا ، لم تصوره التوراة إلا رجلا لا همّ له ، إلا جمع البقر والغنم ، والأتن والجمال ، والإماء والعبيد ، متخذا من الوسائل أحطها ، ومن الطرق أحقرها ، بل إن التوراة لم تجد وسيلة لجمع المال ، إلا أن تجعل أبا الأنبياء ـ وحاشاه أن يكون كذلك ـ وكأنما هو يتاجر بامرأته سارة ، متنقلا بها من بلد إلى بلد (٦).
ومن الغريب المؤلم أن مفسري التوراة لم يحاولوا رد هذه الروايات
__________________
(١) تكوين ٨ : ٢٠ ـ ١٢ ، وأنظر عن رأى التوراة في نوح (تكوين ٩ : ٢٠ ـ ٢٧)
(٢) سورة الحج : آية ٣٧
(٣) سورة الحج : آية ٢٨
(٤) سورة هود : آية ٤٩
(٥) كمال عون : اليهود من كتابهم المقدس ص ١٠٧
(٦) تكوين ١٢ : ١٠ ـ ٢٠ ، ٢٠ : ١ ـ ١٨