قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (١) ، مما يدل بوضوح لا لبس فيه ولا غموض ـ أن هذا القرآن من عند الله ، وأنه وإن اتفق مع التوراة في القليل ، فإنه يختلف معها في أكثر الكثير ، كما يدل كذلك على أن هذا النوع من العلم ما كان عند العرب ، وليس لهم به دراية ، وأخيرا فهو يدل على أن هذا القرآن ليس حديثا يفترى ، وليس أساطير الأولين اكتتبها ، ولا يمكن أن تملى عليه ، وإذا كان بعض المشركين قد ادعوا أنه تلقاها من بعض الناس في مكة ـ كما يقول بعض المستشرقين الآن ـ فهو لم يثبت اتصاله به ، ولسانه أعجمي ، وهذا كتاب عربي مبين ، وفوق ذلك في القرآن من صادق الأخبار ، ما لم يكن في كتب أهل الكتاب المسطورة ، ولا يأتيه الباطل فيما يقول (٢) ، ولست أدري إعجازا بعد هذا الإعجاز (٣).
__________________
(١) سورة العنكبوت : آية ٤٨
(٢) محمد أبو زهرة : القرآن ص ٣٦٤ ـ ٣٦٥ ، الباقلاني : إعجاز القرآن ص ٥٣ ـ ٥٤
(٣) من إعجاز القرآن كذلك إخباره بأمور حدثت في المستقبل ، منها إخباره بانتصار الروم على الفرس بعد أن كانت الهزيمة من نصيب الأولين (الروم ١ ـ ٢) ومنها إخباره بنصر المسلمين في بدر قبل الموقعة الكبرى (الأنفال : آية ٧) وأن ذلك سوف يقع في نفس الوقت الذي سيهزم فيه الفرس امام الروم (الروم ٣ ـ ٥) ، وغير ذلك من أمور لا يمكن أن تكون حدسا أو تقديرا شخصيا ، وانما هي من عند علام الغيوب ، كقيام دولة الاسلام الفتية على الارض (النور ٥٥) وعجز كل القوى عن القضاء عليها (الانفال ٣٦) والانشقاق بين المسيحيين إلى يوم القيامة (المائدة ١٤) والشتات الاسرائيلي (آل عمران ١١٢) والتفوق المسيحي على اليهود حتى يوم القيامة (آل عمران ٥٥) [انظر : الباقلاني : إعجاز القرآن ص ٧٧ ـ ٧٩ ، تفسير القرطبي ١ / ٧٣ ـ ٧٨ ، الكشاف ٣ / ٢٥٢ ، ٤ / ٤٤٠ ، ٤٤٥ ، مناهل العرفان للزرقاني ٢ / ٢٧٣ ، تفسير الطبري ٢١ / ١٦ ـ ٢١ ، ٢٥ / ١١١ ـ ١١٥ ، تفسير البيضاوي ٢ / ٢١٥ ـ ٢١٦ ، ٤٣٩ ، تفسير الجلالين ص ٢١٥ ـ ٢١٦ (نسخة على هامش البيضاوي) تفسير الآلوسي ٢١ / ١٦ ـ ٢٢ ، تفسير الطبرسي ٢١ / ٥ ـ ٩ ، تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٩٥ ـ ٩٨ ، تفسير روح المعاني ٦ / ٩٥ ـ ٩٧ ، تفسير الطبري ٦ / ٤٤٥ ـ ٤٦٤ ، ٧ / ١١٦ ـ ١١٨ ، ١٠ / ١٣٥ ـ ١٤٠ ، ١٣ / ٣٩٨ ـ ٤٠٧ ، ٥٢٩ ـ ٥٣٤ (دار المعارف بمصر) ، تفسير مجمع البيان ٣ / ٩٤ ـ ٩٦ ، ٤ / ١٦٦ ـ ١٦٩ ، ٦ / ٥٤ ـ ٥٥ (دار مكتبة الحياة ،