وعلى أي حال ، فإنه من المتفق عليه ـ أو يكاد ـ تدوين الحديث إنما بصفة عامة ورسمية في نهاية القرن الأول الهجري ، ولم يكد ينتهي القرن الثالث حتى كانت السنة كلها مدونة في الكتب من صحاح وسنن ومسانيد (١) ، وأن بعض الصحابة والتابعين كانوا يدونون في القرن الأول الهجري ، لا سيما بعد وفاة النبي ، صلىاللهعليهوسلم. (٢).
وقد اتبع المسلمون الدقة ـ كل الدقة ـ في تدوين الحديث ، إذ كانت الأحاديث تروى عن طريق سلسلة الحفاظ ، أو ما يعرف «بالسند» أو «الإسناد» ، حتى تصل إلى النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، أو إلى السلف الأول من الصحابة أو التابعين أو تابعي التابعين (٣) ، هذا إلى جانب تقويم الرواة وتعديلهم أو تجريحهم ، ووضعهم في درجات متفاوتة من الثقة فيما يروون (٤) ، ويروي الإمام مسلم في مقدمة صحيحه أنهم لم يكونوا يسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتنة قالوا «سموا لنا رجالكم» (٥).
وقد أبدعت الثقافة الإسلامية في هذا فنا قائما بذاته هو «الجرح
__________________
(١) المسانيد : هي كتب الحديث التي ألفت في القرن الثاني الهجري ، وأشهرها : مسند معمر بن راشد (ت ١٥٢ ه) ومسند الطيالسي (ت ٢٠٤ ه) ومسند الحميدي (ت ٢١٩ ه) ومسند الإمام احمد بن حنبل (١٦٤ ـ ٢٤١ ه) ومسند الديلمي والشافعي وغيرها.
(٢) دفاع عن الحديث ص ١٢٢ ، مفتاح السنة ص ١٨
(٣) مقدمة ابن خلدون ص ٤٥٢ ، حاجي خليفة : كشف الظنون ١ / ٤٢٣ ، مباحث في تدوين السنة ص ٨٨ ـ ١٠٣ ، النيسابوري : كتاب معرفة علوم الحديث ص ٥ ـ ١٢ ، وكذاEI ,٢ ,P.١٠٢
(٤) عبد الستار الحلوجي : مقدمة لدراسة المراجع ص ٦٢ ، وانظر : النيسابوري : المرجع السابق ص ١٤ ـ ٢٧
(٥) احمد امين : فجر الإسلام ص ٢١٦ ، محمود أبو رية : المرجع السابق ص ٧٢ ـ ٧٣ ، ٣٣١ ، مباحث في تدوين السنة ص ٨٩ ـ ٩٢ ، وانظر صحيح مسلم ، سنن الترمذي