وأما حديثُ ابن أبي أوْفَى أنه قال : أعطاني أبي صدقة ماله فأتيتُ بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : «اللهم صلّ على آل أبي أوْفَى» فإنّ هذه الصلاةَ عندي الرحمةُ ، ومنه قولُه جلَّ وعزَّ : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) [الأحزاب : ٥٦] ، فالصلاة من الملائكة دعاءٌ واستغفار ، ومن الله سبحانه رحمة. ومن الصلاة بمعنى الاستغفار حديثُ الزُّهْريِّ عن محمد بن عبد الرحمن بن نَوفَل عن سَوْدة أنها قالت : يا رَسول الله إذا مُتْنا صلَّى لنا عُثمان بنُ مَظْعون حتى تأتيَنا ، فقال لها : «إن الموت أشدُّ مما تقدِّرين».
قال شمر : قولها : «صَلى لنا» ، أي : استغْفَرَ لنا عند رَبّه ، وكان عثمانُ ماتَ حينَ قالت سَوْدَةُ ذلك. وأمَّا قولُ الله جلَّ وعزَّ : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) [البقرة : ١٥٧] ، فمعنى الصلوات ههنا : الثناء عليهم من الله ، وقال الشاعر :
صلَّى على يَحيَى وأشياعِه |
رَبٌّ كريمٌ وشفيعٌ مُطاعْ |
معناه : ترحّم الله عليه على الدّعاء لا على الخبر.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال : الصلاة من الله رحمة ، ومن المخلوقين ـ الملائِكة والإنس والجنِّ ـ القِيامُ والركوعُ والسجودُ والدعاءُ والتسبيحُ. والصلاةُ من الطّير والهَوام التسبيح.
قال أبو العباس في قوله : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) [الأحزاب : ٤٣] ، فيصلّي يَرحَم ، وملائكتُه تدعو للمسلمين والمسلمات.
قال : وقولُ الأعشى :
* وصَلّى على دَنِّها وارتَسَمْ*
قال : دعا لها ألا تَحمَض ولا تَفسُد.
وقال الزجاج : الأصلُ في الصلاة اللّزوم ، يقال : قد صلِيَ واصطَلَى : إذا لزم ، ومن هذا : من يُصْلَى في النَّار ، أي : يُلزَم النارَ.
وقال أهلُ اللغة في الصلاة : إنها من الصلَوَيْن ، وهما مُكتَنِفا الذَّنَب من الناقة وغيرها ، وأوّلُ مَوْصِلِ الفَخِذين من الإنسان فكأنَّهما في الحقيقة مكتنفا العُصْعُص.
قال : والقولُ عندي هو الأول ، إنما الصلاة لُزوم ما فَرَض الله ، والصلاةُ من أعظَم الفَرْض الذي أُمِرَ بلزومه. وأما المُصلِّي الذي يَلي السابقَ فهو مأخوذٌ من الصلَوَيْن لا مَحالَة ، وهما مكتَنِفا ذَنب الفرس ، فكأنه يأتي ورأسُه مع ذلك المكان.
وفي حديثٍ آخر : «إنّ للشيطان مَصالِيَ وفُخُوخاً»، والمصالِي شبيهةٌ بالشَّرَك