لما سمعوا الحروف طمعاً في الظَّفر بما يحبون ، ليفهموا بعد الحروف القرآن وما فيه ، فتكون الحجّة عليهم أَثْبت ، إذا جَحدوا بعد تفهّم وتعلم.
وقال أبو إسحاق : المختار من هذه الأقاويل ما رُوي عن ابن عباس ، وهو أن معنى «الم» : أنا الله أعلم ، وأن كل حرف منها له تفسير.
قال : والدّليل على ذلك أن العرب تنطق بالحرف الواحد تدلّ به على الكلمة التي هو منها ؛ وأَنشد :
* قُلت لها قِفي فقالت ق*
فنطق بقاف فقط ، يريد : قالت أقف.
وأنشد : أيضاً :
نادَيتهم أن أَلْجِمُوا ألاتا |
قالُوا جميعاً كلّهم أَلَافَا |
قال : تفسيره : نادوهم أن ألجموا ، ألَا تركبون؟ قالوا جميعاً : ألَا فارْكَبُوا.
فإنما نطق ب «تا» و «فا» ، كما نَطق الأول ب «قاف».
قال : وهذا الذي أختاره في معنى هذه الحروف ، والله أعلم بحقيقتها.
ورُوي عن الشّعبي أنه قال : لله في كل كتابٌ سِرٌّ ، وسره في القرآن حُروف الهجاء المذكورة في أوائل السُّور.
وأجمع النحويون أن حروف التهجّي ، وهي الألف والباء والتاء والثاء ، وسائر ما في القرآن منها ، أنها مبنيَّة على الوقف وأنّها لا تُعرب.
ومعنى «الوقف» أنك تقدّر أن تسكت على كل حرف منها ، فالنَّطق بها : ألف لام ميم.
والدليل على أن حروف الهجاء مبنيّة على السكت كما بُني العدد على السَّكت ، أنك تقول فِيها بالوقف مع الجمع بين الساكنين ، كما تقول إذا عددت : واحد ، إثنان ، ثلاثة ، أربعة ، فتقطع ألف «اثنين» وألف «اثنين» ألف وصل ، وتذكر الهاء في «ثلاثة» ، و «أربعة». ولو لا أنك تقدِّر السكت لقلت : ثلاثة ، كما تقول : ثلاثة يا هذا. وحقّها من الإعراب أن تكون سَواكن الأواخر.
وشَرْح هذه الحروف وتفسيرها أن هذه الحروف ليست تجري مجرى الأسماء المتمكنة والأفعال المضارعة التي يجب لها الإعراب ، وإنما هي تقطيع الاسم المؤلّف الذي لا يجب الإعراب إلا مع كماله ، فقولك : جعفر ، لا يجب أن تُعرب منه الجيم ولا العين ولا الفاء ولا الراء ، دون تكميل الاسم.
وإنما هي حكاية وُضعت على هذه الحروف ، فإن أجريتها مجرى الأسماء وحدَّثت عنها قلت : هذه كافٌ حسنة ،